مرت الأيام متشابهة، ليلها مثل نهارها..
تخشب ذراعي من حقنة الوريد التي لازمتني لأسابيع عديدة.
أصبحت مقعدة غصبا.... لم أكن احظَ بالزيارة
انفصالي عن العالم الخارجي زاد من مرضي...
حضر والدي مرتين فقط رغم عمله في نفس المشفى
مرة للاطمئنان علي ومرة أحضر لي حقيبة المدرسة وبعض المجلات
حتى اراجع دروسي ولا أشعر بالملل...
بعد ذلك سمعت أنه أصيب بالعدوى وأنه طريح الفراش في عنبر الرجال..
سمعت أيضاً أن اختي نقلت للمستشفى لكن على مستشفى آخر..
الوباء انتشر كثيرا، لم يترك جميع الكائنات
الموت يحصد كل شيء حي بطريقه..
كانت كارثة....
مرافقتي في الغرفة حالتها تسوء كل يوم أكثر
حتى تأوهاتها أصبحت أقل حدة
فكانت لا تقوى حتى على الشكوى....
كلانا كان عاجز عن الاعتناء بالآخر ومستسلم لمصير غير معلوم....
بحكم صغر سني كنت أكثر مقاومة منها
انهض قليلا واراجع دروسي في بعض الأحيان
واتصفح المجلات أحيانا
كنت قادرة على التذمر على نوع الأكل على الأقل
نفس الغذاء خضار مسلوقة، لا خبز ولا اجبان ولا لحم ولافواكه.
قارورة المربى كانت المتعة الوحيدة في الغرفة التعيسة...
أحياناً تنتابني نوبات بوليميا حادة
- على ذكر المربى قمت أبحث عن شئ التهمه طبعاً غير المربى -
فقد أصبحت في قائمة الماضي البعيد
حقيقة لم أكن أعرف ما آكلع مليت جرد للثلاجة دون فائدة
لاشئ يفتح الشهية، كنت أبحث عن شئ لاسع يُسيل اللعاب
في فمي الشبه مخدر من مفعول الدواء
قررت في النهاية تحضير كوب من الشاي
وتحميص قطعة خبز
دهنتها بزبدة مملحة. شريحتي المفضلة دائما..
حُرمت منها لوقت طويل بعد اصابتي بالوباء..
وحمية إعادة تأهيل الكبد على تحمل الدهون وغيرها.
مازلت أذكر كل التفاصيل بدقة عالية.
أو ربما أعيش نفس الأعراض تحت مسمى تشخيص آخر...
في الواقع لست أرغب أن يزورني أحد هذه الأيام
تمنيت أن أضع لافتة ممنوع الزيارة أو بالأصح اتركوني في حالي.
لا أرغب في رؤية أحد...
من النادر أن احظى بلحظات مشابهة.
بعد يومين من الاتصال الأول مع دكتوري هو من اتصل بي يسألني عن حالي..
أخبرته إني لست بخير بعدما أخذ الوهن مني نصيب
ولا رغبة لي في عمل أي نشاط، جسمي أو فكري..
أخبرته أني أعيش حالة تشابه حالة البرزخ.
ضحك يسخر من وصفي للحالة
طلب مني عدم البقاء وحدي حتى لا أشعر بهذا الشعور.
قلت
هكذا انا أحسن
لا رغبة لي في الحديث مع أحد
غير نفسي...
لا شيء يجعلني أندهش!
كلمــــــات تقتفي أثر الكلمــــــات السابقـة
إبداع تلو إبداع
لـــ يصل مباشرة إلى هنــــــاك
مودتي لكِ أيتها المرأة الخريفية الإحساس
للأبداع لغة لا تصاغ سوى بالمعاني الجميلة
ولا يترجمها سوى اروع الحروف
ولا نستطيع بثها سوى بالتميز...!!!
فكم هي جميله كلماتك كلمات عجز قلمي عن وصفها
شكري حتى يصلك حيث كنتِ
حيث عبرت الكاتبة المتألقة سميرة عن العزلة الجسدية والنفسية بأسلوب مؤثر.
تفاصيل الحياة اليومية التي تصفها تمنح المتلقي/القارئ إحساسًا عميقًا بالثقل العاطفي الذي تحمله الشخصية.
استحضار لحظات الخوف من المجهول والمقاومة البسيطة في ظل واقع قاسٍ يجعل النص ينبض بالحياة.
الوارفة سميرة
أبدعتِ يا سميرة في تصوير هذه التجربة
وحيّاكِ على هذا السرد الذي يلامس أعماق النفس
ويجعلنا والقارئ نعيش التفاصيل بدقة وواقعية.
تقديري وعطر الاقحوان