مرحــبا بكم مليون |
قصـص، روايـات، سرديات، بأقلامكــم يمر الربيــع تلو الربيـــع ويتصــاعد الشـــعور - قصص ، روايـات وسرديات |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
لحظَة!، على قَيْد الحَياة ..
للمرة الخمسين امسك قلماً يريد البوح في سر الليل، يريد للمطر أن ينهّل على الورق، أنظر للورقة أراها تبتسم، وأمضي في ذاكرتي للقاءٍ كان بالامس مستحيل، وفي المساء حُلم، وفي الاشتياق وجع. متى يقوم الأحياء من المقابر؟ أجابتني الجدران : هششششششش دعهم في سبات الحالمين. فهو لا ملجأ له سوا صدرها، وهي لا ملجأ لها سوى الحنان. كنت شريراً كعادتي أتلصص على أمنيات النائمين في أزقة المدينة، كنت أترك أوراقي حين تهملني الحروف وترحل كما هي في المساءات الصامتة، فأخرج في عتمة الطريق وكأني والي النيام والأموات الأحياء والطيبين والعاشقين والأغبياء والمساكين، والسكارى والمجانين واللصوص والعاهرات، ورجال الأمن ورجال السياسة وأصحاب الفخامة والبسطاء وعاملي النظافة بعد منتصف العتمة، حتى القطط على حاوية القمامة، كنت أشعر بسعادة وخُبث وأنا أسرق منهم همسهم في باطن الصمت فأعي أي مجاعةٍ إنسيّة يعيشون.. أبحث عن الشر في داخلي فأنا مازلت أعشق الشر المكنون في هذه النفس البشرية التي تدّعي الطيبة والبساطة في كل شيء، حتى اعتقدت للحظة أنها أليفة حد الهدوء المطلق فلربما جائت حمامة عابرة تكون أكثر شراً ودهاءً مني فتسرق الحلم من خاطري وتطير به ناحية الغروب بلا عودة، فكيف أقوى على الاستمرار خاوياً من حلمٍ أو أمنيةٍ تجعلني أتنفس الحماقة والشر والكناية والغرور والكره والحب .؟ ربما أحمل من الغباء أكثر من الشر .! ربما لست شريراً بقدر ما أريد أن أكون كذلك . تناقضات تقودني الى الهاوية، حيث احتاج للقليل من الليل الطويل والصمتَ والهدوء في كل شيء حتى في حواسي العشرة حين تُضْرَب بعرض الحائط . لم يكن خبر وفاتي ( إكلينيكياً ) سبباً في الصدمة التي أعيش، فالموت والحياة كبندول ساعةٍ على جدارٍ نستند عليه سوياً فأيهما يقوى على أن يتحمل أكثر كان له الوقت الأطول في الاستمرار، وأيهما يقوى على أرجحة الوقت مابين موتٍ وحياة يقوى على البقاء، فللموت أشكالٌ كثيرة، يبدأ حين نشعر بالبلادة وينتهي حين نشعر بالبرد تحت التراب . الليلة هادئة، بائسة، مملة، خرجت لأبحث عن أشياءي التي افتقدها في الطرقات، في الحواري، بين العابرين والحالمين بين التائهين والسائلين، كان الخروج اليَّ فكرةً حمقاء، فشعرت بينهم أني شخصٌ لا وجود لي فكلما اقتربت من أحدهم لم يسمعني ولم يرَني!، كنتُ أحاول جاهدا الصراخ حتى صُمّت أُذناي من صراخي، لكنه يجلس بجانبي ويتحدث الى اصدقائه ويبادلهم الضحك والهمس والكلام ولا يسمعني!، اضربه بيداي أهزه كقربة ماء، فلا يشعر بي ولا يسمع، انظر حولي فمنه الكثير هنا وهناك، لا أحد يراني ولا أحد يسمعني، لم أجد غير الذهول في نفسي وحيرة جعلتني أشك بأني إنسيّ، ابعثر ملامحي بيداي وبقوة علّي أشعر بالألم، واصرخ بالـ( لا ) حتى أسمع صداها قادماً من كل مكان فلا يوجد اي انتباه سوى تلك القطة تجفِل من صوتي فتنظرني بحماقة وتشرُد بعيداً . حين تشرق الشمس تشعر بتفاؤل وقلق يجمعهما شيء من الرجاء في لحظة هدوء، تعلم أنك ما زلت نكِرة في كونٍ يمتلئ بامثالك من الحمقى والمشردين والحالمين وأصحاب المناصب الزائلة واصحاب القلوب الصادقة والكاذبين والعاشقين والمتخاذلين والشجعان وحتى اللصوص، لم يكن هذا اليوم مختلفاً كثيراً سوا بتلك الفجوة في ذاكرتي عن ليلة أمس، أتحسس اطرافي مرةً اخرى فأشعر بالمٍ شديد، اصرخ حتى يجتمع بعض الصحب حولي مسرعين يحملون في أعينهم علامات الدهشة والتعجب : يسألني أحدهم، استيقظت اخيراً !! فأجيبه : وهل كنتُ نائماً ؟ يبتسم ثم يجيب : قل كم مكثت نائماً !!. نظرت اليه : ما هو اليوم ؟ كم الساعة الآن ؟ أجابني وهو يحمل كأساً يقدمه لي : اليوم الأحد والساعة الآن العاشرة صباحاً، اشرب قليلاً من الماء . ***** الأسود يليق بك، فضائح بن غوريون، قناديل ملك الجليل، سمرقند، السوسنة السوداء !! انظر الى طاولتي بتعجب، كيف لي أن اجمع هذه الكتُب لقراءتها ؟ بل كيف اجتمعت على طاولة واحدة ؟ كيف جمعت هذا الشتات الذي لم يجمعه زعماء العرب ؟ بل كيف تسللت كل هذه التناقضات في الواقع والحلم، في الحقيقة والخيال، في الاحتياج والرغبة، في الشهوة والنزعة، في الفِكر والفِكرة ؟ كم هو سيءٌ هذا الاحتياج الذي يجعلنا ضعفاء مقننين برسالاتٍ لم نفهم منها شيء إلاّ رغبتنا لوصول حد الاشباع، غير الحصول على أشياء نحتاجها وفقط ولا نعلم أي حاجةٍ هي، بل أي احتياج نريد ؟، أهي الطفولة الخاملة في أرواحنا تأتي وتفيق من سباتها حين وجع، أم هي الحقيقة التي جميعنا نهرب منها ونكابر بأننا في أفضل حالٍ ولا ينقصنا شيء، غير الشكر والحمدلله على نعمه، أوليس الألم نعمة ؟ الحزن نعمة ؟ الغربة والفراغ والفراق والتعب والحزن والبكاء والعويل والانهيارات النفسية نعمة ؟ أوليس المرضُ العُضال في زمن الأقوياء نعمة ؟ لنشكر الله على نعمه، فبهذه النعم فقط نقوى على أن نعترف بالخطايا التي تجردنا من كل شيء حتى من شخوصنا المتلحفة زهواً زائفاً وألقاً عظيماُ. في يومٍ كنت أنا، حتى في يومٍ التقيتكِ، فبدأت الحكاية ... وعدتها يوماً، أن اكتبها في روايةٍ لحظة صدق، فلم يتجرأ قلمي على أن يكتب غير كلمتين؛ إني أُحبكِ. وانيهتها بنقطة حتى يغيب الكلام كله بعدها. وبعد غياب اكتشفت اني كتبتُني في كلمتين، ولكن حتى الآن لم أكتبها هي . يعود المساء يحمل معه حماقاتي، الغرفة مظلمة، النافذة تطل على الشارع المكتظ بالعابرين، فناجين قهوةٍ متناثرة على الطاولة، علب سجائر فارغة مبعثرة حول الفناجين وأوراقٌ بدأت في كلمات ولم تنتهي بعد، وساعةٌ حمقاء تخبرني في كل لحظةٍ الوقت يمر ويمر حتى اصابتني بالجنون، خرجتُ هارباً الى الطرقات، أغمضت عيناي وتنفست عميقاً لأسمع صوت ضحكاتٍ بريئة، لا هم لها سوى ان تضحك وتفرح في لحظة صدق، هذه الطفولة البائسة التي تحلم في حبة برتقال، تحلم في مساء الجياع بأن تلتهم قليلاً من الحب والأمان والطمأنينةِ والدفئ، تبحث عن ألف جوابٍ لقليلٍ من الاسئلة، فالأجوبة صعبٌ أن تقنع براءة طفلٍ بحقيقةِ يصعب الرجال الاعتراف بها .. .. : أمي، الم يعدني أبي بأن نذهب اليوم الى السوق معاً .؟ .. : نعم يا بني، لكن والدك عاد متأخراً من عمله وهو متعبٌ جداً وخلدَ الى النوم. مرت سويعات حتى هدأ صوت الطفل، وعدت لأسمع صوت امرأةٍ تضحك وتغنج تحت ضوءٍ خافت، وذاك الرجل المتعب من طول يومه يهمس في أذنها، إنك الليلة أشهى من البرتقال، ليزداد الغنج والصخَب والتقلب في حضن الليل وينسل الضوء قليلاً، قليلاً حتى العتمة . شعرت بدوارٍ شديد وأنا أتلقف بين الأيدي وصوت سيارة الإسعاف وأضواءها تعمي ناظري، لألتفت حولي بالكاد المح بياضاً حولي ويدٌ ناعمة الملمس تمتد على ذراعي فتؤلمني قليلاً واسمع همساً يقول لي : حاول ان تنام قليلاً فجرعة المسكن ستفي بالغرض . ***** كيف نترجم الاشياء التي يصعب وصفها ؟ كيف نقولها بلغةٍ مفهومةٍ حين يدّعي الطرف الآخر انه يفهمك حقاً وهو في عالمٍ خالٍ منكَ تماماً ؟ كيف أكون جريئاً وأعترف أن الحياة انتهت بعدكِ لاستسلم الى فراغاتي ووقتي السيء في أن أختار سريراً بارداً رغماً عني ؟ من يملك الأجوبة له الحق بالسؤال، وأنا لا جواب لدي فالأفضل أن أكتفي بالصمت، وأحاول فهم مسألةٍ مازلت أتهرب منها حتى الآن، ماذا أفعل هنا؟ وكيف وصلت الى هذا السرير الأبيض وأين ملابسي وهاتفي وعلبة سجائري ومحفظتي ؟ هل نحن في فصل الشتاء حقاً ؟ هل مضى علي عامٌ في نومي أم أني مازلت أحلم ؟ أتكئ على طرف السرير محاولاً النهوض باتجاه النافذة حيث يتساقط المطر خارجاً، اقترب منها قليلاً فتخور قدماي وأشعر بدوارٍ وصداعٍ يحسم المسألة بسرعة حتى أرتطمت بالنافذة. مازال المطر يهطل، ونحن اثني عشر شخصاً نجلس في غرفةٍ واحدة، بعضنا يلف نفسه بأكياس بلاستيكية، والاخر يلتصق بالجدار، فالماء يرشُح من السقف في أوانٍ موزعة في بعض مناطق الغرفة، نهمس بالكلام وكأننا في صالة المسرح لا نريد ازعاج الممثلين في عرضهم، ولا الجمهور لسماع ما يُقال على المسرح وكان عزف الماء في الأواني يمدنا بالحميمية والقليل من الدفئ، قد كانت أكثر بنايات المخيم متهالكة أو بالاصح لم يتم بناءها بالطريقة السليمة وذلك لعدم توفر المواد او النقود اللازمة للبناء، كان كأي بيتٍ في هذا الرصيف، ففي الشتاء تكثر الاكياس البلاستيكية والأواني وفي الصيف نكتفي بفتح النوافذ لكي لا يخنقنا الحر من ضيق المكان وحرارة الجو، وما بين الفصول تكمن حكاية لاجئٍ يعلّق حلمه على جدارٍ متهالك، وصور بعض الشهداء الذين لم يتبقى منهم غير ملامحٍ في إطارٍ خشبي وذاكرة كثيرٌ منها مؤلم وقليلٌ منها يجعلنا سعداء احياناً. كيف حاله أيها الطبيب؟ - كان الصوت كالهمس في الذاكرة - كيف أمسى وضعه الآن أخبرني ؟ لا أعلم بعد، نحتاج الى الكثير من الفحوصات لنعلم بأي حالٍ هو الآن، لكن من المهم أن يبقى في حالة استرخاءٍ تام وأن يتابع علاجه بالموعد المحدد فإن تأخر عن موعده ستعود له غيبوبته، لندعه الآن نائماً وفي الصباح سنكمل اجراء التحاليل والفحوصات . خرج الطبيب من الغرفة، فحركت ذراعي الى صديقي ليقترب مني، حاولت الحديث اليه عندما اقترب لكن لا فائدة، كانت شفتاي وما تبقى من ملامحي في حالة تخدير تامة، نظر الي مبتسماُ وقال : أعلم انك تريد سيجارة الآن، لكن لن اسمح لك بالتدخين فالطبيب منعه عنك لحين أن تستفيق تماماً، وبعد اخبرني ما الذي جعلك تقوم من السرير وأنت في حالك هذه .... ويستمر بالكلام حتى سمعت صراخ أبي يأتي من الباب الموارب، وقد كان يؤنب أمي لأني كنت أدخن سيجارةً في زاوية الحي مع بعض الأولاد هناك، فكانت تجربة فريدة من نوعها حيث علمت ذاك الشعور الذي يميّز حجمك الآن فأنت رجل تستطيع أن تشعل سيجارةً وتنفث دخانها بكل خشونة، فالرجولة الآن تبدأ بسيجارة ومن ثم شارب عريض ومن ثم جسم طويل القامة وبعضٌ من رداءٍ جميلِ المنظر لتفتتن به فتاة الحي، كانت هذه أكبر أحلامنا وهدفنا بأن تكون فتاة الحي من نصيب أحدنا لكي يتحدث معها، أو يسرق منها قبلةً بريئة على خدها، أو يقوم بكتابة رسالةٍ لها بخطٍ غير مقروءٍ ويرسلها مع ابن الجيران الذي لم يتجاوز عمره الان سوا خمس سنوات، كانت أفكارنا هزلية ذات طابع بريدي تستطيع استخدامه لأي وجهة سفرٍ أو على أي غلاف رسالة، وكل ما في الأمر أن فتاة الحي كانت جميلةً جداً وفي ليلةٍ قمرية أصبنا جيمعنا بالخيبة حين كانت تتسامر مع أحدهم من الحي الآخر خلف أسوار المنزل، كانت أولى الخيانات بالنسبة لي، مع أني لم أفكر حقاً بأن أكلم فتاة وأنا لم أتقن بعد كيف أقوم بنفث دخان سجائري، حتى ذات مساء تقابلنا صدفةً في زاوية المكان، تبادلت نظراتنا بصمت، بلهفة، بشهوة، باشتياق، وكأن ما بيننا لا تفسير له سوا تلك القبل التي بدأنا بها، ولم يكن هناك شعورٌ غير الألم في ذراعي حين رأيت ذاك الخيال الأبيض وهي تقوم بسحب الأبر من يداي وترفع التنفس الإصطناعي عن وجهي، وتقول لي : كيف أنت الآن ؟ هل زال الألم أم لا ؟ ماهو اليوم ؟ أريد سيجارة أشعر أن أنفاسي تختنق ؟ نظرت اليّ مبتسمة، لكنها عاتبة حين قالت أنت بين الحياة والموت وتسألني عن سيجارة ؟، اليوم هو الخميس. كم مضى على وجودي هنا ؟ اربعة أيام. ماذا كنت افعل هنا ؟ هل كنتُ ميتاً ؟ هل كنت في سبات ؟ ماذا حصل لي اخبريني ؟ لا تقلق، هي حالة ارهاق عصبي وقد أخبر الطبيب أهلك أنك بخير وستخرج من هنا يوم السبت . أهلي ؟ أين أنا ؟ لا أهل لي هنا سواي !! لا أعلم كان هناك شخص يأتي كل يوم ليطمئن عليك ويتحدث مع الطبيب، ربما يحضر بعد قليل فهو يأتي في هذا الموعد تقريباُ. ****** لم أشعر يوماً بخوفي من الموت كما شعرت الآن، لم يكن الخوف من الموت للموت نفسه، بل كان الخوف بأن أُقفل الكتاب قبل نهاية الرواية، وقبل أن أقوم بإنهاء اشياء كثيرة وجب لها أن تنتهي قبل لحظة موتٍ تأتي بلا استئذان، كان شعور القلق حيال الأمور المعلقة كمن يترك كل شيءٍ خلفه ويقوم بمسح ذاكرته حتى يقوى على الهروب، حتى يستطيع أن يمارس حياته اليومية بتفائل حتى لو كان مزيفاً، باطلاً تافهاً بحجم بقاياه التي علّق عليها أحلاماً جديدة بأن المستقبل بلا ماضٍ سيجعلني أقوى سيجعلني قادراً على بدايةٍ نظيفة لا تعنيني بشيء غير أني ولدت اليوم وتخلصت من حماقاتي المتكررة حتى أوشكت على أن أتخلص من نفسي بتاتاً. لماذا تهمسين في أُذني بعد الغياب، فأنتِ من غادرني في أول وعكةٍ عاطفية، وكأن عشقنا أصيب بالسرطان الذي لا شفاء منه، لكن سرطانه لم يكن غير غيابك بلا سبب، وهروبكِ من حضوري، واختفائك خلف كمٍّ من التساؤلات التي لا أجوبة لها حتى اليوم. نريد أن نعمل له فحوصات متقدمة كل النتائج الفحوصات السابقة لم تعد علينا بأي نتيجة. ماهي الفحوصات يا دكتور؟ اقلقتني الآن، قد أخبرتني سابقاً أن وضعه مستقر وحتى الآن مازال يعاني من ألم في رأسه وغيبوبة متكررة، ولا شيء غير مسكنات وخافض للألم، أي فحوصاتٍ ستجريها عليه الآن ؟ سنقوم ببعض صور المقطعية والرنين المغنطيسي وبعدها سنكتشف النتيجة. رفعت رأسي باتجاه الطبيب وبالكاد رأيته فأشرت اليه بأن يقترب، ففعل فأخبرته بصوتٍ خافت، هل العلاجات الان ستعيدني الى حالتي السابقة؟ ألا تكفي بأن أقف على قدمي قليلاً ؟ نعم، ربما هي كذلك لكن يجب أن نتأكد من جميع الفحوصات اللازمة لكي ننهي مسألة الشك. لا تحتاج لأن تشك في شيء أيها الطبيب، يبدوا أن هذه المعضلة امست متوارثة في عائلتنا، أخبرته وأنا ابتسم وأتذكر آخر لقاءٍ لي بأخي قبل وفاته منذ عام تقريباً، أنا الشقيق الثالث الذي يصاب بنفس الأعراض فلا تقلق، لن أكون أفضل منهم في لحظة ألم، فقط كل ما أطلبه منك أن توقف كل الفحوصات، وحاول أن تجعلني أقف على قدمي قليلاً واترك الباقي لي. ساد الصمت المكان، لم يتبقى في ملامح الطبيب وصديقي الذي كان معه إلاّ بعض اسئلةٍ تنتهي في صمتٍ كبير ! ***** انقضت اربع اسابيع ما بين ذاكرةٍ وفوضى حواس، انتهت وكأن شيءً لم يكن غير الصداع المزمن في رأسي وكأنه أجراس كنائس في صلاة القديسين، انقضى كل شيء غير تلك الزوبعة المتربعة في هذا الجسد المترنح، عدت الى حيث تركت أشيائي في حالة اشتياقٍ وانتظار، حيث تركت كتبي وأوراقي التي ملأها الغبار، حيث كان اخر فنجان قهوةٍ لي قرب النافذة، ومساءٍ يشتاق حضوري لأتجول في الحواري وبين العابرين. في زحمة الاسئلة وهدوء الليل، وذاك الصمت الذي يتسلل عبر النافذة، رفعت بعض الأوراق وحملت عكازي وخرجت الى الطريق، أوقفني صديقي سائلاً : ألى أين ؟ فأجبته : مازلت أبحث عن جميع الأجوبة في أزقة الطرقات وعتمة الليل . فقال : وهل ستكتفي من الأجوبة حين تجدها ؟ .... : لا، هي بداية لنهايةٍ أصنعها أنا. فأجاب ساخراً : أيها الأحمق هل هناك نهاية كالموت ؟ عمّاذا تبحث وأنت خسرت كل شيء حتى جسدك ؟ ... : الموت لا يصنعني يا صديقي، سأختاره على طريقتي هذه المرة، فوقته لم يحن بعد، لأن الرواية لم تكتمل . ساد المكان لحظة هدوء، انطلقت الى حيث الطريق في ليلةٍ حالكة السواد، وما زلت أسمع همس أمنياتهم وأصواتهم وصلواتهم في لحظة عتمةٍ ورجاء . من أوراق منسية وطن أنا الرجل الذي لم يفهم شيئاً ...!!
آخر تعديل سُقيا يوم
2018-07-28 في 01:10 AM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الكل) الاعضاء الذين شاهدو هذا الموضوع: 12 | |
, , , , , , , , , , , |
|
|