مرحــبا بكم مليون |
الحكمة النورانية (مواعظ إسلامية على حب الله نلتقي |
الإهداءات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
الكعبة...{ قياما للناس}
بسم الله الرحمن الرحيم
من تأمل منظر الحجيج المندفع كل عام ، مع ما يشعر به من غاب عن الحج من حسرة و التياع ، و رأى تدفق الأبدان و النفوس و المشاعر و الأموال التي ربما سلخت الأعمار في جمعها ، مع كد الأجساد ، و إرهاق النفوس ، و مفارقة الديار و مراتع الصبا ، في مشهد مألوف ، ومشاعر مشتركة ، و هي تهفو و تأمل و تجد و تجتهد لرؤية و زيارة بيت في واد غير ذي زرع ، يُدرك بأن تعظيم البيت و مكانته في النفوس أمر تجاوز قدرات البشر و مداركهم ، قال شيخ الاسلام بن تيمية - رحمه الله - : " وكذلك ما خص الله به الكعبة البيت الحرام من حين بناه إبراهيم وإلى هذا الوقت من تعظيم وتوقير وانجذاب القلوب إليه ومن المعلوم أن الملوك وغيرهم يبنون الحصون والمدائن والقصور بالآلات العظيمة البناء المحكم ثم لا يلبث أن ينهدم ويهان ، والكعبة بيت مبني من حجارة سود بواد غير ذي زرع ليس عنده ما تشتهيه النفوس من البساتين والمياه وغيرها ولا عنده عسكر يحميه من الأعداء ولا في طريقه من الشهوات ما تشتهيه الأنفس بل كثيرا ما يكون في طريقه من الخوف والتعب والعطش والجوع ما لا يعلمه إلا الله ومع هذا فقد جعل الله من أفئدة الناس التي تهوى إليه ما لا يعلمه إلا الله وقد جعل للبيت من العز والشرف والعظمة ما أذل به رقاب أهل الأرض حتى تقصده عظماء الملوك ورؤساء الجبابرة فيكونون هناك في الذل والمسكنة كآحاد الناس وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه خارج عن قدرة البشر وقوى نفوسهم وأبدانهم والذي بناه قد مات من ألوف سنين ولهذا كان أمر البيت مما حير هؤلاء الفلاسفة والمنجمين والطبائعية لكونه خارجا عن قياس عقولهم وقوانين علومهم .." ا.هـ من الصفدية فإضافة هذا البيت لله ، منحه العز و الشرف ، و الرفعة و المهابة و المحبة بشكل لا يخطر على بال أحد ، و تقصر دونه أفهامهم و عقولهم، و هذا النصيب يشترك فيه كل من أحب الله عز وجل و استسلم لأمره و دعا لطاعته و دينه ، و الأنبياء يتسنمون ذروة هذا الشرف ، فحازوا من حسن الذكر و الثناء و اتفاق الخلق بحسن سيرتهم و سريرتهم ما يفوق الوصف ، وما ذاك إلا لانتسابهم إلى الله عز وجل و دينه و كمال عبوديتهم له ، و هكذا يناله من سار على طريقهم كل بحسب ديانته و صدقه و عمله. فهذه الحقيقة لا بد من وضوحها و نصاعتها ، مما يجعل تدفق الحجيج نحو بيت الله عز وجل في كل عام أعظم رافد للتذكير بهذه الحقيقة الباهرة ، و لهذا زكى الله هذه الوفود بأنهم ( يبتغون فضلا من ربهم و رضوانا ) فأي فضل بعد هذا ! لقد وصف الله هذا البيت بأنه ( مبارك ) و ( هدى ) و سماه ( البيت العتيق ) و ( المسجد الحرام ) و ( مكة ) و ( الكعبة ) و ذكر تاريخ هذا البيت منذ تحديد مكانه ( و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) و زمن بنائه ( و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) مروراً بتسميته ( البيت االعتيق ) في إشارة إلى تاريخه الطويل و استقلاله ، إلى دفاع الله عز وجل عنه ضد من أراده بسوء كأصحاب الفيل ، و التي كانت قصتهم كالتوطئة و التجديد و التذكير لمكانة هذا البيت و أهله الذين سيخرج منهم نبي موصوف بأنه ( رحمة للعالمين ) كما وصف بيته بأنه ( هدى للعالمين ) إن قصة بناء هذا البيت جاءت لتقرير تلك الحقيقة الكبرى ، و هي الغاية التي خلق الله عز وجل الخلق لأجلها ، فأساس هذا البيت هو توحيد الله عز و جل و النهي عن الشرك ، ( و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تُشرك بي شيئا ....) ثم إن بقاء هذا البيت شامخاً معظماً مرتاداً إلى يوم القيامة يحتاج إلى أساس متين ، و أي أساس أقوى من أساس التوحيد لله ! ثم إن الله أختار بانيه كما اختار مكانه و زمانه ، فلم يجعل الله بناء بيته إلى ملك من الملائكة ، بل جعله لنبي من الأنبياء ، لينال هذا الشرف إلى يوم القيامة . ثم لم توكل عملية البناء لإبراهيم عليه السلام مباشرة ، و لم تستغل فترة شبابه لبناء هذا البيت ، بل جاء الأمر بعد عمر طويل ، و زمن مديد ، و تجارب متنوعة ، و مشاهدات شتى ، رأى خلالها ضلال الأمم و الأقوام ، ورأى معابدهم و هياكلهم ، و فند شبهاتهم و حججهم ، و عاش في محيطهم و بين أكنافهم ، حتى قام لله تلك المقامات التي وثقها القرآن ، أوذي في ذات الله و القي في النار و اتُهم و طُرد ، و مر بمراحل و أطوار شتى ، حتى بلغ عين اليقين ، و اُكرم بدرجة الخلة ، بعد تاريخ حافل و طويل ، اهتم القرآن بذكر الكثير من مراحلة حتى جاءت مرحلة التتويج و الأهلية لبناء الكعبة بيت الله . فكان و هو يبني هذا البيت لله يعلم حاجة الناس له ، و تعلق قلوبهم به ، و لعلها – و الله أعلم – قد وافقت حاجة في نفسه مما رأى من تعلق الناس بالأبنية و الهياكل المحسوسة التي بُنيت على أساس الشرك بالله ، و حاجتهم إلى بناء يقوم على أساس التوحيد لله ، يتجسد فيه محسوساً ملموساً أمامهم ، فاجتمع مع ايمانه و يقينه و منزلته من الله هذا الدافع النفسي القوي ايضا ، و الذي اكتسبه من خلال تاريخه الطويل من تجاربه و دعوته المباركة ، فاجتمع له عليه الصلاة و السلام في بناء هذا البيت عوامل شتى أهلته لتسنم هذا الشرف ، فأقبل على بناءه بجد و اجتهاد و اخلاص و دعاء و عبودية و صدق من خليل الرحمن فصلوات الله و سلامه عليه و هنيئاً له هذا الشرف و الاختيار من الله عز و جل. و لو أردنا الحديث عن هذا البيت لطال بنا المقام ، و لتشعب بنا الطريق ، و لكن عندما يُنبهنا الله عز وجل لمكانة هذا البيت بقوله ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس ...) فنحن امام حقيقة و قاعدة كبرى ، تنتظم حياة الناس ، و تصلح بها دنياهم و أخراهم ، و تلفت انتباههم لأهمية هذا البيت ، و ضرورة العناية و الاحتفاء به ، إذ جعل الله عز و جل الكعبة قواماً لحياة الناس و معيشتهم و دينهم و أمنهم و مصالحهم ، و من ذلك ما أوقعه الله عز و جل في قلوب العرب من تعظيم البيت و كل ما تعلق به من عائذ أو لائذ أو ساكن أو قاصد ، فاضطراب النواحي من حوله ، و تعرضها للنهب و السلب و شن الغارات ، و بقائه آمنا مطمئنا في خضم تلك الأمواج الهائلة ، على مدار التاريخ إلى يوم القيامة ، فيقصده البعيد في زمن الأشهر الحرم بالعبادة و التجارة ، يسوق الهدى ، و يحمل متاعه، فتهاب العرب على جاهليتها و جبروتها و حبها للغزو التعرض له ، بسبب ما شاع بينهم من تعظيم البيت و حرمة قاصده ، حتى يرى الرجل قاتل ابيه في الحرم فلا يتعرض له بسوء، فتقوم التجارة في هذه المنطقة الآمنة ، و يتزود الناس لمعيشتهم ، و يقدرون على تحصيل ما يحتاجون إليه ، فتقوم حياتهم بسبب حرمة هذا البيت و تعظيمه . فوجود الأمن و التجارة و الرزق ، هي قوام مصالح الدنيا ، و هذا ما انتظمته سورة قريش ( الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) فهذه منة من الله على أهل مكة و على الناس جميعا ، ( أو لم يرو أنا جعلنا حرماً آمنا و يُتخطف الناس من حولهم ) ( أو لم نُمكن لهم حرماً آمنا يُجبى إليه ثمرات كل شئ رزقاً من لدنا ..) و كذلك جعل الله الكعبة سببا لقيام دينهم، لما انتظمته من معاني التوحيد لله، و الإيمان بالرسل الذين وطئت أقدامهم تلك البقاع، و جعلها قبلة للمسلمين في صلاتهم أينما كانوا، و ما جعل فيها من المناسك و الطاعات و العبادات التي لا توجد إلا فيها ، فضلا عما يكون فيها من أنواع العبادات التي لا تُستخرج إلا في جنباتها. فالكعبة بيت الله، و حرم الله، يأمن بجوارها الوحش و الطير و الصيد و الانسان، و يشبع فيها الفقير و المسكين و ابن السبيل بسبب ما يذبح فيها من الهدى و الفدية و الصدقات و أعمال الخير، و يُعبد الله عز و جل فيها بأعظم العبادات ، من التوحيد و الحج و العمرة و الطواف و السعي و الرمي و الذبح و الذكر. فقوام حياة الناس هي الأمن و الرزق و العبادة، فينتظم بقيامها صلاح الدنيا و الأخرة، و الكعبة تحمي هذه الضروريات، و توفر أسبابها، و تحمي حياضها، لتقوم حياة الناس بها، فلنستلهم هذا الدرس العميق ،و لنكمل هذا المسير بالحفاظ عليها، لا لتقوم حياتنا فقط، بل لتقوم حياة الناس ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) و صلى الله على نبينا محمد.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الكل) الاعضاء الذين شاهدو هذا الموضوع: 7 | |
, , , , , , |
|
|