سيدة القصر - الجزء الأول كاملاً - منتـدى أكاديميـة تباريـــح الضــاد
"بكم يزداد هذا الموقع نورًا وجمالًا، فأنتم كالشمعة التي تضيء الدروب، والأخلاق الفاضلة التي تزين النفوس. إننا فخورون بكم وبانتمائكم إلينا، وواثقون من أنكم ستكونون دائمًا خير سفراء لهذا الموقع" مرحــبا بكم مليون



الإهداءات

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 2018-08-23, 02:53 PM
https://www.raed.net/img?id=1066363
احمد حماد غير متواجد حالياً
Jordan     Male
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل : 2018-05-16
 فترة الأقامة : 2359 يوم
 أخر زيارة : 2024-10-30 (01:22 AM)
 المشاركات : 63,568 [ + ]
 التقييم : 287108135
 معدل التقييم : احمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond reputeاحمد حماد has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 7,058
تم شكره 4,155 مرة في 2,322 مشاركة

اوسمتي

سيدة القصر - الجزء الأول كاملاً














وقبل البداية استعرض بعض شخوص القصة والتعريف عليها،فلستُ بقاصٍ ولا راوٍ

وما سيكون من أحداث هي من واقع وليست من نسج خيال.
ولستُ أدري الى أن سيأخذني القلم وكم ستكون عدد الحلقات الآتية، ولا أريد الإطالة عليكم هنا

فالعذر منكم والسموحة مقدماً


وبسم الله نبدأ
فـسيدة القصر بطلة قصتنا ، فقد كانت قبل هذا من كبار خدم قصر آخرٍ
ولطالما كانت تطلعاتها وأكبر أمانيها بأن يكون عندها قصرٌ مثله أو أفضل منه.
ومن هنا بدأت قصة هذه السيدة والتي كانت خادمة بالأصل لقصورٍ أخرى
حتى تسنى لها الإيقاع بأحدهم ، أو يشاء لها القدر بأن يقوم أحدهم باِهدائها قصراً أكثر فخامةً من القصر
الذي تعمل به ، وقد تم تجهيزه وتهيأته على حُطام القصر الذي تعمل به وبمساعدةٍ من طاقم الخدم هناك.

حيث استطاعت بدهائها أن تغريهم بناعم كلامها وعذبه ، والذي كان بكلِّ ثناياه مملوءٌ بالغيرةِ
حدَّ الخبث والحقد والسوء . وبين ليلةٍ وضحاها صارت هذه الخادمة سيدة قصرٍ مطلقة
تأمربما تريدهلكلّ مَن حولها .


فـ وأول ما قامت به حين انتقلت لقصرها الجديد هو اختيار وتعيين الطاقم الذي سيدير معها ولها هذا القصر
من المواليين لها والواثقين بها تلك الثقة العمياء ، التي أعمت بصائرهم بلذيذ وشجن حديثها معهم
وهم المؤيدين لها تأييداً مطلقاً بكلّ ما تقوله وتفعله وتقرره .


وقد تمتعت بدهاءٍ وذكاءٍ حيثُ استطاعت اختيار مثلثٌ اداري حَوَتْ به كافة الأطياف والملل
حيث كان اختيارها أولاً هو الأقرب الى خبثها ولعنة تفكيرها فكان أول اختيار هو :
الحاخام عوفرا، إذ عينته المسؤول الأول والمباشر، وذا الصلاحية المطلقة في التصرف في كلِّ أمور القصر

من بعدها والذي أعدته على ان يكون الممثل المباشر لها ونيابةً عنها سواء تواجدت معه في القرار أم لا .

وكلمحةٍ مصغرةٍ عن هذا الحاخام
والذي صدم الجميع فيما بعد ، بتقلباته وتلاعبه وخبثه اللعين بحسب ما تقتضيه مصلحته الشخصية أولاً
فهو الأقرب صلةً من الخُبث والدسائس كـ مثل سيدته وربما أكثر منها خبثاً ولعنة
فبرغم يهوديةِ أفكاره ونفسه إلاّ أنه أكبر مُستشهدٍ كان بالاحاديث النبوية من جهة

ومن جهةٍ أخرى بالآيات القرآنية ، حتى تكاد تحسبهُ من اولياء الصالحين

ثم يأتي اختيارها الثاني للقس يوحنا وهو الرجل المسؤول أمامها وأمام الحاخام عوفرا

وهذا القس من النوع الصائغ لهما كما يريدونه ، ويحركوه بحسب ما يريدون
فكلّ ما كان عليه فعله إما طاطاة الرأس أو هزّهِ بالموافقة على ما يقررون


ومن ثم كان اختيارها"" والذي ربما ندمت على اختياره فيما بعد ""
وهو الذي كان الأقدر على مواجهتها ومواجهة حاخامها وقسّها فكانوا يهابون
من وضع أيِّ قرارٍ خوفاً من أن ينتقدهم ، ولطالما اِتخذوا قراراتهم بعيداً عنه وغيبوه عن كل ما يجري بينهم
وكان الأكثر بمدِّ يدِ العون لكلِّ مَن في القصر ، والكل هناك قد شهدَ له بذلك

وبعطائه وتفانيه في العمل داخل القصر كان أو خارجه،قكانا لأقدر إن استطاع إيقافهم عما هم به ماضون
وقد تم اطلاق الكثير من الألقاب على هذا الرجل من قِبل كل حاشية القصر ومَن فيه ، فقد كان معروفٌ

بمواقفه الثابتة والتي لا تتغير بعكس ذاك الحاخام والقس وسيدتهما .
وكثيراً ما كانت سيدة القصر هذه تلجأ اليه حين تكون في حيرة من أمرها
ولا تعرف كيف تتصرف في الأمور وترى أن الحاخام والقس غير قادرين على معالجة الأمور

فكانت تلجأ اليه طالبةً منه أن يتدخل ويعالج الأمر بحنكته وخبرته وحكمته
حتى طلبت منه الموافقة حتى تكون له كاِبنة وأن تناديه بـ " أبي أو أبتِ "
كذلك كان الحاخام عوفرا يلجأ اليه بأسلوبه الخبيث ويصور له على أنه قدوته التي يقتدي به
ولكنه بداخله كان يُكِّنُّ له حقداً وكرهاً كبيرين ، على الرغم من لجوئه اليه
لمعالجة أخطائه وهفواته والتي كانت مستمرةٌ وكثيرة .
بهكذا مثلث أنشاته اكتملت عندها كل زواياه الحادة ، مشكلةً بذلك

قلب هذا المثلث ونبضه ومحركته
وعينت كذلك بقية الكادر الخدمي الآخرين ، والذين يأتمرون بأوامرها أو أوامر الحاخام عوفرا

وهم الكادر الذين استطاعت بدهائها وخبثها سحبهم من القصر القديم التي كانت تعمل به
والذي كانت هي كبيرتهم في ذلك القصر ، واستطاعت ترويضهم جميعاً لأوامرها ولما تريده بأسلوبها الناعم الخبيث .
وكل اؤلئك الكادر صدقوها وهتقوا لها وللحاخام عوفرا والقس يوحنا
ودون أدنى تفكيرٍ منهم أو رجوعٍ للأمور لثقتهم التامة والعمياء بهم .


وهناك شخصيات أخرى ستظهر لنا في اُفق القصة واحداثها ، وسنتعرض لها
حين تظهر في الحدث ونتعرف عليها في حينها من خلال ما سيأتي من أحداث .
كان هذا تقديماً موجزاً مختصراً عن ماهية القصة وأحداثها ، وأتمنى أن لا أكون قد أطلتُ عليكم في مقدمتي هذه


المكان { القصر القديم }

جلست في ركنها سيدة القصر - وهي التي ابتاعت القصر من صاحبه السابق –
مذهولةٌ بما تراه وتشعره وبما يُحاك ضدها وضد قصرها ،فكلّ ذنبها كان أنها المالكة الجديدة للقصر
والذي اشترته من صاحبه السابق فلم يعجبها طاقم القصر الاداري والخدمي
فهي سيدة تتمتع بقوة شخصيتها واستطاعتها على مواجهة الأمور ، ومن هنا ابتدأ خبثهم لها وعليها ليهجروها وقصرها

آخذين معهم كل ما سيلزمهم في القصر الجديد بما في ذلك كل الكادر العامل في القصر
وصوروا لكل العاملين أن سيدة القصر الجديدة هذه ظلمتهم وأودت بكل ما عملوه وبنوه في القصر على مرِّ سنوات
- مع العلم بأنها بعد لم تُحرك ساكناً ولم تتخذ أو تُعلن أي قرار يُثير حفائظهم -
وعلى الرغم من علمها واحساسها بمدى خُبث كادر ادارة القصر لا سيما الكبار منهم.

وأخيراً جلست وحيدة بقصرها والذي صار خاوياً من أي صوتٍ أو همس
بعدما أطلقوا زغاريدهم اعلاناً عن رحيلهم للقصر الجديد ، وتعالت الهتافات وتعالت زغايد الجميع هناك
راحلين وهاتفين بسعادةٍ عن هذا الانتقال الذي أحبوه وراق لهم .

..
المكان { القصر الجديد } / باحة القصر الجديد

وصل الجميع باحة القصر الجديد
ولا زالوا يرقصون ويغنون ويهتفون باسم سيدتهم الجديدة
– والتي هي كانت كبيرة الخدم هناك –
وقفت على بوابة القصر هاتفةً لهم بأن يصغوا اليها جيداً
وكان نمط حديثها كالمعتاد ذاك الكلام الناعم الهادئ والذي تحسبه لوهلةٍ أنه حباً
فقالت / أحبتي ، ها نحن اليوم هنا ،وهذا القصر هو قصركم قبل أن يكون قصري وملكي
فأنتم المالكون الحقيقيون له ، ومن هنا أحبتي أود أولاً
أن أشكركم من قلبي
على هذه الحفاوة وهذا الكرم منكم
والآن أيها الأحبة يوجد لدينا الكثير من العمل داخل القصر ، فهلموا بنا
ولنكن يداً واحدةً في ترتيب مكاننا الذي سنقيم فيه كعائلةٍ واحدة.
فهتف الجميع بصوتٍ واحدٍ // لبيكِ لبيكِ
ودخلوا جميعاً الى القصر

المكان { القصر الجديد } / داخل القصر

تم توزيع العمل على الجميع ، من قبل الحاخام عوفرا والقس يوحنا
والمظفر – وهو الرجل الثالث الذي اختارته السيدة وأحد زوايا مثلثها–
الجميع منشغلون كلٍّ في عمله بدأبٍ وسعادة ، فجلس المظفر في زاويةٍ بعيداً عن جميع العيون
عيونه شاخصةً لسقفِ القصر ، وفكره شاردٌ سارحٌ ودون درايةٍ منه اخذ يُتمتم بينه وبينه
ويقول :
كيف ومتى ومن أين!؟ ،اسئلةٌ راودته
من أين للسيدة كل هذا المال لتشتري قصراً فارهاً مترفاً كل هذا الترف
ومتى استطاعت أن تجمع مبلغاً كبيراً كهذا ، ثم من أين ؟! ،من أين يا مظفر من أين !!
ياالله أعِنّي
وما أن أكمل كلمته الأخيرة هذه ، إذ بأحدِ الموظفين يُرَبِتُ على كتفه
فالتفت اليه وقال // ما بك ؟ ماذا تريد
فرد عليه الموظف // أنا لا أريد ، السيدة تريدك
فقال // حسناً ، اذهب أنت وانا بعد سأصعد اليها
فرَدَّ الموظف قائلاً // لا استطيع ، تريدك الان وحالاً ، وقالت لي حرفياً إإتِ به حالاً ولا تعود الا بالمظفر
فنظر اليه المظفر نظرة كأنه امتعض من اجابته أو أنها لم تَرُقْ له
فقال له //
حسناً هيا بنا ، لنرى السيدة ، اتريدك معي كذلك ؟

فقال الموظف //لا أبداً فقط سأوصلك حتى مكتبها ، واعود لعملي
فرد عليه المظفر بابتسامةٍ خفيفة // حسناً ، هيا خذني للسيدةمخفوراً اذن ههههه
وصلا الى مكتب السيدة ، ذهب الموظف الى عمله ، ودخل المظفر
فإذ بها تهرع اليه مسرعة وتحضننه ، كاحتضانِ المُشتاق لحبيبه
والمظفر قد اصابه الذهول لما يجري في هذه اللحظة وعلى غير المتوقع
وبقيت متشبثةً متعلقةً عدة دقائق

.

المكان { مكتب السيدة }

رغم ذهول المظفر الا أنه بداخله كان سعيداً ، ولم يشأ لهذا أن ينتهي

ولكنه ابتعد عنها قليلاً وهي لا تزال يداها تعانق كتفيه
فقال لها :
ما بكِ لقد أخفتِني عليك !؟

تركته واستدارت وهي تقول له
تعالَ يا مظفر اجلس ، فجلست هي وأخذ المظفر
مكانه قُبالتها على الكرسي الآخر
وقال :

نعم سيدتي قولي لي ماذا هناك ؟


فقالت :
ليس هناك ما يدعو للخوف يا مظفر ، فقط كنتُ بحاجةٍ لأن
أحدث أحد حين شعرتُ أني وحيدة وأعيش بوحدةٍ فلم اجد غيرك
حتى اكلمه واحدثه ، فأنت الذي أرتاح له من دون كل الموجودين هنا

تململ المظفر قليلاً وهو جالس بمكانه ، ونظر اليها نظرة لمحت بها
ذاك الحب الذي يكنه لها المظفر ، ولكن المظفر لم يكن مقتنع بكلامها
الذي قالته ، واعاد السؤال عليها ثانية :نعم سيدتي لم تقولي بعد ماذا هناك
من أمر جعلك ترسلي بطلبي على جناح السرعة هذه
بانت عليها ملامح الانزعاج وملامح الاقتضاب وقالت :
( وتمتمت بنفسها يا الهي كيف أقول له اني أحبه )
{ وهنا المظفر لاحظ ذلك في احمرار وجهها ، وكانت تلك لحظة
شعوره الحقيقية بحبها لها، وأنها لا تدري كيف تقول وتُعبر }
يا مظفر أنت تحرجني حين تُناديني بـ سيدتي ، فأنا لستُ سيدتك

فأنت السيد هنا ولك حق الاحترام والتقدير الكبيرين ، وأرجوك واتمنى عليك


ان تلغي من قاموسك كلمة " سيدتي " هذه عندما تخاطبني
هذا شئ ، والشئ الآخر صدقني لم يكن هناك غير الذي قلته لك ، وما دمنا

الآن قد اجتمعنا أود أن أقول لك بأن تكون أنت يميني ومستشاري
في كل صغيرة وكبيرة ، فأنت الذي أرتاح له هنا ، ثم أتمنى عليك أن يبقى
كل ما بيننا هو بيننا هنا ، وأي طارئ فيما أن يكون بيني وبينك هنا

والذي تحتاجه مني فقط قل لي وأنا سالبيه لك حالاً.

المظفر : سيد...... ( تلعثم ماذا يناديها ) ، وهي تبسمت حين قطع الكلمة
وقالت : بابتسامة أكمل سيدي

فقال :
حقاً أنا لا زلت لا ادري بماذا أنادي عليكِ ، فلكِ من الأسماء والألقاب الكثير
ولكن لا بأس سأحاول إيجاد الإسم المناسب

واستطرد يقول :
إن ما قلتِه هو فخرٌ لي وسعادة لنفسي هذه الثقة التي منحتِني اياها
واسأل الله أن أكون على قدر هذه الثقة والمسؤولية
قاطعته قائلة : قبل أن أنسى ، حسناً أكمل أولاً عذراً للمقاطعة .
فقال : لا أبداً لم يعد لدي ما أقوله ، غير أني بأمرك في أي وقت تريديني به
ولن أبخل عليكِ عليكِ بشئ بمشيئة الله
فقالت : بقي شئ واحد في نفسي يا مظفر ، اود أن اطلبه منك
وإن وافقت عليه سأكون جداً سعيدة وفخورة
فقال : اؤمري ، ما الأمر الذي تريديه من المظفر ، فهو حاضرٌ لكِ
قالت : ما يؤمر عليك عدو ولا ظالم ، ما وددت سؤاله لك هو
هل تتقبلني كابنةً لكِ ، وأن أناديكِ بـ أبتِ ؟

هذا كل ما اريده منك الآن ، وسأكون به فخورة
فقال المظفر : وأنا لي شرف إن تكوني ابنتي ،هذا يستوجب علي حمايتك ورعايتك أكثر وأكثر
فكيف لي أن أرفض لكِ طلباً كهذا وأنتِ تعلمين مدى اعتزازي بكِ منذ سنين
فلكِ ما طلبتِ بُنيتي
فقالت : يا الله ما أكرمك يا الهي ، وما أجملك أنت يا أبتِ وقد لبيت لي هذا الطلب
والذي كنت اتمناه منذ زمن ، أشكرك من كل قلبي أيها الغالي
فقال مبتسما والفرحة ظاهرة بعينيه اللتان صارتا لامعتين كأنهما اغرورقتا :
لا تشكريني ، فهذا وأنتِ الآن اصبحتما واجبي – واصبح صوته محشرج وفيه بحة –
اذن هل تأذني لي الآن أن أهب واتابع عملي
فقالت : نعم أبتِ ، فانت لا تحتاج الى اذن مني ، ولكن عليك أن تأتيني دوماً
وكلما احتجت لشئ مني فلا تتردد فبابي لك مفتوحا دائماً
فقال : شكرا غاليتي ، أراكِ على خير
..


المكان { ممرات القصر }
..

خرج المظفر من عند السيدة ، والفرحة تغمر قلبه وكان يمشي في ممرات القصر

وهو يدندن بينه وبين نفسه ، والمارين من جانبه يسمعون دندناته ويشعرون بفرحته
ويبتسمون وكانهم يشاطروه فرحته هذه
ولكن فرحة المظفر هذه كانت مراقبة من الحاخام ، والذي كان يراقبه
من لحظة دخوله الى مكتب السيدة ، وهو يكاد يتفجر غيظاً كي يعرف
ما الذي يجري بين المظفر والسيدة ، ولماذا أقفلا على نفسيهما المكتب
وقد طالت فرتة اجتماعهما سويةً ، ويراقب المظفر ويرى علامات الفرح
على وجهه وفي الطريقة التي يتمشى بها في ممرات القصر ، ظناً منه أن المظفر
بهذا يغيظه أو يتعمد هذه المشية كي يغيظه ، مع العلم أن المظفر في هذه اللحظات
لا يكاد أن يرى أي أحد أمامه او حوله ، فهو سعيدٌ بما جرى بينه وبين السيدة
في هذه اللحظة والتي يراقب الحاخام عوفرا المظفر ، لمحه القس يوحنا
وهز رأسه مستغرباً منه
ولكن الآخر " الحاخام " التفت للقس وأشار له بيده كي يأتي اليه
فذهب القس يوحنا الى مكتب الحاخام

المكان { مكتب الحاخام عوفرا }

دخل يوحنا لمكتب عوفرا وقال :
ما بالك يا عوفرا أراك مشتت الفكر ، وعلامات الانزعاج ظاهرة
جليةٌ على وجهك
عوفرا : يا رجل ألا ترى ما رأيته أنا وأراه ؟
يوحنا: ماذا رأيت وماذا ترى عوفرا ؟ عن ماذا تتكلم افصح ؟
عوفرا: ألم ترى كم من الوقت جلسا سويةً في المكتب وهو مقفلٌ عليهما؟
يوحنا: مَن تقصد عوفرا ؟
عوفرا : يووووه يا يوحنا هذا وكأنك لست هنا معنا في القصر !
يوحنا : قل لي أرجوك ماذا هنالك ؟
عوفرا : أرسلت السيدة طلباً عاجلاً للمظفر ، وذهب اليها وجلسا في مكتبها
أكثر من ساعة
يوحنا : اذن ، وماذا في ذلك ، فليكن !
عوفرا : هل ترى هذا منظرٌ صحي بالنسبة لنا يوحنا ؟
يوحنا : لا أدري ماذا تقصد
عوفرا : يا رجل ابقى وركز معي قليلاً ، فلو صار ما أنا متوقعه فستكون كارثة على كلينا
يوحنا : وما الذي سيصير عوفرا ؟
عوفرا : اذا تولى أمور القصر المظفر ، فقل علينا نحن الاثنين السلام
ولن تطول اقامتنا هنا ، وهذا أنا ما لا أريده أن يحصل
يوحنا : آه يا الله ، نعم صحيح عوفرا ، أنا لم افكر في هذا
عوفرا : اذن آن الأوان أن تفكر يوحنا وتركز وتَفِق من نومك ، كفاك نوماً !
في هذه الأثناء ، حصلت هنالك مشكلةٌ بين موظفيْن من القصر ، فهناك شكوى
من عدة موظفات اشتكيْن على موظف يزعجهن دائماً بتمتماته وهمساته
وهذا ما لا تسمح به السيدة في القصر بتاتاً وتعبره خطاً أحمراً
أتى احد الموظفين لمكتب عوفرا وقال له عما حصل من شكوى
وعند هذه الشكوى وكأن عوفرا وجدها مناسبة كي يُسلط على نفسه الأضواء
ويُبعدها عن المُظفر ، فذهب مسرعاً لمكتب السيدة كي يُناقش معها الأمر
وأصطحب معه القس يوحنا كونه كان متواجداً معه في مكتبه
..
المكان { مكتب السيدة }

دخلا مكتب السيدة ، أديا التحية عليها ، رحبت بهما وقالت
اهلاً وسهلاً تفضلا ، ما الأمر ، هل هناك شئ ؟
فرّدَّ عوفرا : نعم سيدتي هناك أمر خطير
السيدة : خطير !! ، ماذا هنالك يا عوفرا
يوحنا : ليس بالخطير جدا سيدتي ، سنعالجه ان شاءالله
السيدة : تكلما ، لقد ارعبتماني
عوفرا : ألم تصلك شكوى السيدات بحق ذلك الموظف
السيدة : تنفست الصعداء ، وقالت :
بلى وصلتني ، هل هذا هو الأمر الذي أتى بكما اليّْ لترعباني

عوفرا : عذراً لم نقصد سيدتي ، لكننا كما تعلمين نخاف على القصر وصاحبته
وكل الموجودين فيه ، ونهتم لأمر الجميع

يوحنا : أجل سيدتي ، هذا هو هدفنا ، ويبقى الأمر في النهاية لكِ أنتِ
السيدة : على كل حال ، بارككما الله وشكراً لكما لهذا الاهتمام الذي يسعدني
ولكن الحمدلله أن الله منَّ علينا برجلٍ يستطيع اِنهاء أي مشكلة قبل أن تصلني
فقد وصلتني الشكوى وهي منتهية من كل جوانبها
- نظرا لبعضهما عوفرا ويوحنا - وبصوت واحدٍ قالا : مَن هو هذا الرجل ؟
السيدة : ما بالكما أنه عقلنا الرشيد المظفر ، فقد أنهى المشكلة كلها
وتم تصالح كل الأطراف مع بعضها البعض ، ولم يَعُد هناك أي مشكلة.
باِمكانكما الذهاب لمكاتبكما ومتابعة أعمالكما ، شكراً لكم يا سادة
وقبل أن تذهبا أريد منكما أن تعلما وتعرفا بأنه عليكما
الجوع للمظفر في أي مشكلة تحصل في القصر بل التصرف بها بأيِّ شئ
وهذا أمرٌ مني

عوفرا ويوحنا وعلامات الذهول بانت عليهما :
حسناً سيدتي كما تأمرين وتشائين ، نستأذنك الآن سيدتي

خرجا من مكتب السيدة وكلٍّ منهما لا يدري ماذا يقول ، وكلاً منهما
ينظر للآخر بدهشة وذهول وصمت
فهمس عوفرا لـ يوحنا بابتسامةٍ ساخرةٍ : اِذن هيا بنا الى مكتب مظفرنا !
وذهبا متجهيْن الى مكتب المظفر

عرفنا سابقاً بأن عوفرا هو الرأس المُدبر لنشر الضغائن والأحقاد
لا سيما تلك التي تخص وتصُب ضد المظفر
ويوحنا ما عليه سوى التوقيع والبصم على ما يعرضه عليه عوفرا
ودونما أي تفكير منه
وصلا الى باب مكتب المظفر ، ونظرا ليعضهما البعض ، فقال يوحنا لـ عوفرا :
أرِح ملامح وجهك يا رجل ، فهو ظاهرٌ عليه العبوس
فردَّ عليه عوفار بابتسامته الخبيثة :
أنظرتَ لوجهي ولم ترَ عبوس وجهك المُقتَضِب ؟ عدّل وجهك هيا
ودخلا الى مكتب المظفر بابتساماتهم الخبيثة
...
المكان { مكتب المظفر }


ألقيا التحية على غير عادتهما بإلقاء التحية ، بمزيدٍ ومبالغة
من التهليل والمدح والاطراء - وهذا هو الأسلوب الذي سيوصلهما لأهدافهما الخبيثة -
وقف المظفر وقال : اهلاً بكما ، أهلاً عوفرا ، أهلاً يوحنا ، كيف حالكما .
فرد عوفرا : نحن بخيرٍ يا مُظفرنا طالما أنت معنا وحامينا
وقال يوحنا : نعم والله أنت حامينا ومنقذنا أيضاً
بنظرة استغراب قال المظفر : ما كل هذا الاطراء ، وما كل هذا المديح
ما الذي حصل ، والذي أنا حميتكما وأنقذتكما منه ؟!

عوفرا : يعجبني تواضعك ، وجميل ما تصنع من خير دوماً وبصمت
يوحنا : صحيح ما قال عوفرا ، فما تصنعه هنا دون أن تتكلم أو تتحدث عنه
فهو محل اعتزاز وتقدير منا لشخصك وفكرك وطيب قلبك
المظفر : على كل الأحوال ، أنا أشكر لكما هذه الشهادة بحقي ، واتمنى أن أكون أني أستحقها
وأكون عند حُسن ظنكما وظن الجميع بي هنا

عوفرا : أرجوا من المظفر أيضاً أن يعذرنا ويُسامحنا لما فعلناه قبل قليل
المظفر : وماذا فعلتما لأسامح وأعذُرْ !
عوفرا : بشأن المشكلة التي حصلت من قبل ساعةٍ من الزمن
المظفر : لقد تمَّ الأمر ، وانتهت المشكلة ، ولم يعُد هناك ما يسمى مشكلة
كانت فقط هي سوء تفاهم واختلافات بوجهات النظر
عوفرا : نعم ندري أنها انتهت ، لكن طلبنا للمسامحة لأننا ( أنا ويوحنا )
من لحظة سمعنا عن المشكلة ذهبنا مهرولين الى السيدة لإخبارها بها
ولم نُفكر بأن نأتيك أولاً ونقول لك عن المشكلة
فوجدناك قد حللتها بصمت كعادتك مظفرنا المحترم
يوحنا : أرجوا بل نرجو العُذر منك لما اقترفناه من خطأ بحقك بهذا التصرف
المظفر : يا اصدقائي ، أولاً أنا وكما تعرفون لا أُحبِّذْ كلمات الإطراء والمديح كثيراً
ثم أن هذا الأمر لم يستوجب منكما أن تطلبا المسامحة عليه فقط لأننا هنا
نعمل بروح الفريق الواحد ويداً واحدةً ، والأهم أن أمور هذا القصر
أن تبقى تسير بوجهتها الصحيحة وبعيداً عن أيِّ مشاكل
وعلينا أن نُبعد السيدة أيضاً عن أيِّ مشكلةٍ ونحاول حلّها دون أن نزعجها
بمشاكلٍ كهذه ، لتتفرغ هي لعملها الذي تقوم به بصفاء ذهن وفكر
يوحنا وعوفرا معا : الله الله عليك يا مظفر
المظفر مبتسماً : لا زلت اتحدث عن كلمات الإطراء
وأنتما لا زلتما مصرّان عليهما ، تُطريان وتمتدحان
عوفرا : أنت تستحق أيها المظفر المبجل ، وما قلته هو عين العقل والرأي السديد
وأنا كما قلت سابقاً وأمام الجميع أني فوضتك عن نفسي
بأن تقوم بما تراه مناسباً إن وجدت بعملي أي اعوجاج
ونحن معك إن شاء الله سائرون
المظفر : اذن اتفقنا ، وان شاء الله دوماً متفقين ، فلنعد الى اعمالنا يا أصدقاء .
فذهب كلٍ منهم الى حيث عمله يتطلب منه التواجد فيه .
(( في هذه الأثناء السيدة منشغلة بالحديث والإتفاق مع صديقةٍ لها
من ذوات الخبرة بأعمال القصور وتنظيمها وترتيبها
فقد أرادت السيدة من صديقتها أن تأتي وتعمل معها على إعادة هيكلة وترتيب
القصر بحسب خبرتها في هذا المجال فعرضت عليها بأن تنضم اليها في القصر
ولها مُطلق الحرية والصلاحيات بأن تُرتب ما تراه مناسباً في كل أنحاء القصر
دون أن يتدخل أي أحد في عملها وما تقوم به
وهذا أيضاً كان شرطاً أساسياً لصديقة السيدة ، أن تعمل بمطلق الحرية
وعدم التدخل من أي أحد مهما كانت صفته في القصر
وعلى هذا تم الاتفاق بينهن ، على أن تأتي صديقة السيدة
وتباشر عملها في اليوم التالي
))
السيدة قامت بهذا الإتفاق والذي صار قراراً دون علم أي أحدٍ من ثالوث ادارة قصرها
...
المكان { مكتب السيدة }

..
حضرت صديقة السيدة في صبيحة اليوم التالي واستقبلتها السيدة استقبالاً حاراً
وجلستا ووضعتا النقاط على الحروف باتفاقهن الذي أبرمنهُ بالأمس
طلبت الصديقة من السيدة :
عليك الآن غاليتي أن تقدميني وتُعرِّفيني على طاقم ادارة قصرك الجميل هذا
فقالت السيدة : طبعاً عزيزتي سيتم ذلك وفي الحال
- أرسلت السيدة بطلب المظفر وعوفرا ويوحنا ليأتوا الى مكتبها في الحال –

حضر ثلاثتهم لمكتب السيدة ، وألقوا عليها التحية وكذلك على صديقتها الجالسة أمامها

فقالت السيدة : أهلاً بكم أيها الاخوة ، أرسلت بطلبكم كي أقدمكم
لصديقتي الغالية جداً على قلبي (مشاعر ) - مشاعر هو اسم صديقة السيدة –
وأقدمها لكم ، لتتعرفون على بعضكم البعض
ومن هنا أعلن لكم أن مشاعر هي آتية الينا من أجل مساعدتنا والاهتمام
بكل نواحي القصر ، ولها كامل الصلاحية ومطلقها في عمل أي شئ تراه مناسباً للقصر ولنا
وأريد منكم أن تمدوا لها يد العون حين تحتاج لذلك ، وأن تلبوا لها طلباتها حين تطلب
وبعبارة أخرى أريدكم أن تفهموا أن مشاعر هي بمثابة نفسي في القصر
عوفرا : أهلاً أهلاً بسيدتنا الجديدة مشاعر ، هذه سعادةٌ لنا أن تكون معنا هنا
انسانة رقيقة وبخبرةٍ متشبعةٍ في أمور ترتيب وهندمة القصور
لترتب وتُهندم – مبستماً وناظراً ناحية المظفر - لنا بعض الفوضى الموجودة لدينا
يوحنا – ظاهر على وجهه علامات الخجل المصطنع : -

حياّكِ الله بغاليتنا مشاعر ، أنرتِ القصر ومَن فيه
مشاعر : حياكم الله جميعاً ، وأنا سعيدة أني مع صديقتي الغالية
ومعكم هنا ، وما أريده منكم فقط مساعدتي في هذه الفترة لأني جديدة بينكم وفي القصر
وكل الموظفين لا يعرفوني ولا أنا أعرفهم فهذه مسؤوليتكم
أن تعرفوهم بي وتعرفوني بهم
وكذلك مساعدتكم لي أن تلقوا لي الضوء على كافة أنحاء
القصر وجوانبه
فهو قصر كبير وواسع كما ترون

(( في هذه الأثناء ، ومع هذا الكيل الهامر من عبارات الترحيب المبالغ فيها
المظفر فقط جالس ويستمع ، ولم ينبس ببنت كلمة ، فهو مستمعٌ جيد
في هكذا حالات ))
وقف المظفر وقال : اهلاً بكِ اختنا مشاعر ، إن شاءالله نكون لكِ عوناً بأيِّ شئٍ تريدينه منا
اعذروني الآن فلدي بعض الأعمال لأنجزها
غادر المظفر مكتب السيدة ، وبكثيرٍ من تساؤلات تدور في خُلده لمَ ولماذا وكيف ؟؟!
لكنه لم يعبأ للأمر كثيراً ، وتابع عمله كالمعتاد
...
المكان { مكتب المظفر }
( صبيحة اليوم الثاني )

نظر المظفر من نافذة مكتبه وبيده فنجان قهوته الصباحية فهي تُطلُّ مباشرةً على حديقة القصر
ولكنه قلّما ما يفتح نافذة مكتبه ، فأذهله ما رآه في الحديقة والتي هو معتادٌ عليها
أن لا يرى بها سوى المسؤول عنها وعن نظافتها وترتيبها فرآى على تلك
الطاولةِ المستديرةِ مجتمعين كلهم بقهوتهم الصباحية ( السيدة ومشاعر
وعوفرا ويوحنا )، والابتسامات الكبيرة ظاهرة على وجوههم من بُعد
فقال في نفسه : ما الذي يجري هنا ، أيعملون أم أنهم يتسامرون
ومالي أنا في هذا كله فليكن ما يريدون طالما هي السيدة موافقة على ذلك.
ودخل وجلس على كرسي مكتبه يراجع الأعمال التي تنتظره ليقوم بها وينجزها.
{ حديقة القصر }

طاولةٌ مستديرةٌ يجلسون حولها أربعتهم ، يتسامرون تارة
وتارةٌ اخرى يتحدثون عن أعمال القصر
- مشاعر سيدة تمتلك حسٌّ مختلف ، وشديدة الملاحظة وذكيةٌ في تعاملها
كما هي هادئة ، ولها نظرةٌ ثاقبة في مُحدِّثها أو المُقابل لها -
أرادت مشاعر أن تعرف نوعية الأشخاص التي أتت لتعمل معهم
ولها في أسألتها لهم مغازي ومعاني
فسألت عوفرا : قلّ لي عوفرا ، هل راقت لك قهوتي الصباحية ؟
عوفرا : قهوةٌ ولا ألذ ولا أطعم ، حقاً أتذوقها باشتهاءٍ ولذة
ولا أريد لهذا الفنجان أن ينتهي .
- بنظرةٍ خاطفة من مشاعر لعيني عوفرا ، فهمت أنه شخصٌ لا يُستهان بخبثه -
وأعادت نفس السؤال على يوحنا
فرد يوحنا : حقاً إنها لذيذة وشهية ، ولكن ليس بالكم الذي قاله عوفرا – وابتسم -
مشاعر : قهوتي بالعادة لذيذة يوحنا ، ولكن كما قلت ليست بتلك اللذة التي وصفها عوفرا
أظنه بالغ في الاطراء ولا أدري هو اطراءٌ لي أو لقهوتي – وابتسمت –
لم يرق لعوفرا ما أجابت به مشاعر بخصوص اطرائه لها ولقهوتها
ومشاعر بالمقابل أخذت صورةٌ والتقاطةٌ حيّةٌ عن كلاهما ، واستأذن كلٍّ من
عوفرا ويوحنا وعادا الى مكتبهما ، وبقيت السيدة ومشاعر جالستين في الحديقة
فسألت السيدة مشاعر : حدثيني مشاعر ما هو تصورك الآن بشكل عام ؟
مشاعر : إن كنتِ تريدي تصوري عن القصر ، فهو بحاجة عمل وترتيب
وهذا لن يتم دفعةً واحدة ، بل سأنفذ الترتيب بكل جزءٍ في القصر على حدى

السيدة : فكرة رائعة وسديدة مشاعر ، وأنا معكِ في هذا الرأي
ولكن قولي ما رأيك في الأشخاص الذين اجتمعتِ بهم ؟
مشاعر : أظن أني كونت صورة عن كلِّ واحدٍ منهم ، مع أني لم أجتمع بعد
بمن اسمه " المظفر " بعد فإني أراه دوماً منهمكاً بعمله
السيدة : نعم المظفر لا يتهاون بعمله وهو بالنسبةِ لي العين الساهرة
في القصر وهو الحامي لقصري ولي
مشاعر : آهٍ منكِ أنتِ ، كأني أرى في عيونك ملامح حب للمظفر وأنتِ تتحدثين عنه
وعلى كل الأحوال أنا أراه عن بُعد أنه رجل صادقٌ في عمله ويستحق الحب والاحترام
السيدة : لا تضيعي الموضوع مشاعر ، سألتك عن رأيك ؟
مشاعر : حسناً ، سأقول لكِ بكل صدق ووضوح ، ومن بعد اذنكِ إن أذِنت لي
فأنا افضل الإجتماع بكلٍّ من المظفر ويوحنا بمكانٍ خارج القصر
حتى استطيع معرفتهم أكثر عن قُرب ، خارج نطاق القصر والعمل
وهم كذلك سيكونون بتركيزٍ أكثر معي لمتطلباتي منهم

السيدة : خارج القصر !! .. هذا ما لم اسمح به نهائياً مشاعر وأظنك تعرفين هذا جيداً
وهذا عندي قانون ومبدأ اتخذته لقصري ، ولكن لمَ المظفر ويوحنا هما اللذان اخترتيهما ؟
مشاعر : اعجبني اسلوب وتفاني المظفر في عمله ، وأرى فيه أنه الأكثر فائدة لي
لمساعدتي لمباشرة ما سأقوم به من اعادة ترتيب وتهيئة للقصر
أما يوحنا فأنا أراه أنه عامل مساعد وممكن أن أستفيد من ايجابياته
السيدة : وعوفرا ؟ ألم يرق لكِ ؟
مشاعر : بتاتاً لم أرتح له
السيدة :
أوجدتِ فيه ما يعيب ؟

مشاعر : عيوبه رأيتها كثيرة ، وأهمها الخبث الذي يتحلى به ، وهذا هو رأيي
السيدة : هزت برأسها كأنها استغربت من كلام مشاعر
حسناً مشاعر أنا منذ البداية اعطيتك الصلاحية في التصرف كما تشائين
وباستطاعتك دعوة المظفر ويوحنا للمكان الذي تريديه ، فلن اعترض طريقك
مشاعر : وهذا ما كنت اتوقعه منك غاليتي، لأننا نعمل سوياً بثقةٍ مطلقة
السيدة :
ثقتي بكِ عالية وكبيرة جداً ، فعلى بركة الله ، سأذهب الآن لأرتاح

مشاعر : وأنا كذلك ، لكن قبلها سأوجه دعوة للمظفر ويوحنا حتى نلتقي غداً
فخير البر عاجله عزيزتي
السيدة : لكِ ما تشائين ، أراكِ على خير
كلٍّ من السيدتين غادرتا الحديقة ، فتلك ذهبت لتأخذ قسطاً من الراحة
ومشاعر ذهبت ووجهت دعوتها للمظفر ويوحنا ، الا أن المظفر قبل موافقته سألها
إن كانت تعلم السيدة بهذا الشأن أم لا ؟
فأجابته مشاعر - وهي مذهولة من سؤاله وموقفه
على العكس من يوحنا الذي وافق على طلبها سريعاً ودون تفكير :
طبعاً تعلم ، واعلَمْ أنت أنني لا أقوم بشئ الا بعلمها
المظفر : وهذا حقاً ما أريده وأرتاح له ، فعلى بركة الله ، غداً لنا لقاء إن شاءالله
غادرت مشاعر مكتب المظفر ، في حين المظفر ظل يفكر في طبيعة هذا اللقاء
الذي أرادته مشاعر هذه / فما الذي تريده منه ومن يوحنا ، وما الذي يدور خُلدها
إلا أنه استسلم في النهاية وقال في نفسه :غداً لناظره قريب .
( المظفر وذكريات مواقف )
{ مكتب مشاعر }
بعدما غادر ت مشاعر مكتب المظفر ، سرح المظفر هنينهات بينه وبين نفسه ونهض ولحِق
بمشاعر الى مكتبها و بدا الاستغراب على وجه مشاعر حينما
رأت
المظفر
أنه خلفها على باب مكتبها ،
فقالت له : خيراً يا مظفر ، هل هناك شئ ؟
فقال المظفر : خيراً ان شاءالله ، ادخلي لأخبرك
دخلت مشاعر ودخل خلفها المظفر وقبل أن تسأل مشاعر بادر المظفر قائلاً :
أتيتك فقط لأخبرك أنيربما لن استطيع القدوم لموعدنا غداً ، أو ربما اتأخر قليلاً فلستُ أدري !
مشاعر : خيراً إن شاءالله ، ما الذي حدث لتغيِّرك المفاجئ يا مظفر ؟!أرجوا أن يكون خيراً
المظفر: عندي ظرف خاص ، لكن إن شاء الله سأحاولالالتحاق بكِ وبـ يوحنا
بامكانكما انجاز ما تريدونه أو ما تريديه أنتِ
مشاعر: حسناً يا مظفر سأكون بانتظار ،وسأرى ما يمكنني فعله مع يوحنا غداً لحين حضورك
فحضورك اساسي ولا بدمنه لأنني أريد رأيك ورؤيتك فيما أريده

المظفر :على بركة الله ، استأذنك

غادر المظفر الى مكتبه واغلق باب مكتبه على نفسه ، وجلس على كرسيّه
رافعاً رجليه
فوق المكتب واشعل سيجارته – التي لا يستغني عنها –
وأشخص نظره نحو النافذة وتمتم بينه
وبين نفسه بضع كلمات وسافر بعدها
عبر ذكرياته لموقفٍ كان حدث بينه وبين السيدة فيما مضى
وهذا الموقف كان : ((
في ذلك اليوم حين تنبه المظفر لعملٍ قامت به احدى الموظفات
والمقربة
جداً من عوفرا أولاً ثم من السيدة ، والسيدة توليها كثير من اهتمام وتمنحها كثير من ثقة

ـــــــ ياعيل هو اِسم هذه الفتاة القريبة جداً من عوفرا،تُلبي له كل طلباته وهو يلبي لها كل طلباتهاـــــــ

{ مع ذكريات المظفر / 1 }

اكتشف المظفر أن ياعيل قد قامت بالتلاعب في بطاقات تقييم عمل الموظفين حيث أظهرت نفسها
في بطاقة تقييم الموظفين أنها الأكثر انجازاً وعملاً ومثابرةً في العمل

غضب جداً المظفر حين رأى هذا التلاعب من ياعيل وبلا حسيبٍ او رقيبٍ عليها وعلى ما قامت به .
حينها ذهب المظفر لمكتب السيدة وقال لها عن ما حدث ، إلا أن السيدة في حينها

نظرت الى المظفر وقالت : أيعقل يا مظفر أن ياعيل تفعل مثل هذا
فرد المظفر : ما هو أمامي وما هو الآن أمامك يقول أنه يُعقل ، والسبب واضحٌ وجليٌّ عندي
فأنا مَن رتبت البطاقات آخرِ مرةٍ وبطاقة
ياعيل كانت حسب ما أعتقد في المرتبة العشرون
والآن أراها في المرتبة الأولى ،
فكيف تفسرين أنتِ ذلك ؟!
السيدة :
دعني يا مظفر اتأكد وابحث مما تقوله أنت ، فهذا ما لم ولن اسمح به أبداً

المظفر -مبتسماً -:حسناً ابحثي وتأكدي،وسأعود اليكِ بعد ساعات لأرى النتيجة التي توصلتِ اليها
واعلمي أن هذا التلاعب اغضبني جداً ، لأنه استهتار أولاً بالعمل وبكل طاقم الإدارة بدءاً منكِ
وثانياً هو ظلمٌ لبقية الموظفين ، اتركك الآن وسأعود اليك لاحقاً الى اللقاء

(((
لم يترك المظفر للسيدة ما تقوله بعد ما قاله هو اخيرا ، وغادر مكتبها
الى مكتبه
لينجز بعض المهام الموكلة اليه ، الاّ أن كل تفكيره كان منصبٌ لهذا التلاعب الذي قامت به ياعيل
وقد قام خلال هذه الفترة بالمراقبة والمتابعة
الحثيثة لهذه البطاقات ودَوَّن على ورقة أمامه
معلومات البطاقات في لحظتها
ومعلومات البطاقات في آخر لحظة قبل أن يعود للسيدة.)))

بعد ساعات من الزمن ، عاد المظفر الى مكتب السيدة ، ورد عليها التحية
وقال : نعم سيدتي ، ماذا وجدتِ اخبريني ؟!
السيدة : لا أظن أن حدسك وظنك صائبان يا مظظفر هذه المرة
مظفر : وكيف ؟ وما الدليل لديك على خطأ حدسي ؟ مع أنه لم يكن حدسٌ ولا هو بظنٍ كذلك
هو حقيقة قدمتها لكِ ، فكيف صارت بمفهومك حدس وظن ؟؟
السيدة : تعال انظر ، هذا هو فعلياً عمل ياعيل ، ولا أرى فيه أي تلاعب
مظفر : اذن انظري أنتِ الى هذه الورقة ، فقد دونتها من لحظة أن تركتك ولغاية هذه اللحظة
فانظري كيف كانت والى أين وصلت في غضون ساعات ،
أتري هذا منطقياً ؟؟
السيدة : أنت تعرف يا مظفر أن ياعيل محبوبة عند كل فتيات القصر وهن مَن يقمن
بامتداحها وتسجيل هذه النقاط لها لتظهر فيما بعد على بطاقتها

مظفر – ضاحكا - : لقد زدّتني من الشعرِ بيتاً سيدتي ، إذن ماذا أقول أنا
فها هي بطاقتي أمامك
ولديَّ الكثير مما تقولين عنه سواء من فتيات أو رجال

السيدة – هزت رأسها وقالت : نعم كلامك صحيح يا مظفر ، ولكن لاحظ شيئ أنت
أن تلك الفتيات اللاتي يقمن بامتداح ياعيل هُنّ ممن يمتكلن نِسَب امتداح كونهن
من الكادر الإداري وإن كانت مسمياتهن بسيطة لكن نِسَبهن في هكذا اشياء
تكون أعلى
من نسب الموظفين الآخرين العاديين ، وأنت لديكَ كثير من الموظفين
الآخرين الذين
يعطوك نقاط هذا التقييم
ونسبهم تكون قليلة
المظفر : وهؤلاء هم مَن يلزموني،وهم مَنْ أتطلع اليهم،فهم الباقون
وهم الذين يعطون بصدق
ولا اريد أؤلئك أصحاب النسب الكبيرة ، ولكن كل ما قلتِه غير مُجدٍ وغيرُ مُقنع

وما هي إلاّ أعذار تجديها لـ ياعيل
والآخرون من حاشيتك الذين تواري اخطائهم وتلاعبهم
على حساب الآخرين ، وعلى كل الأحوال ما دامت هذه النتيجة التي توصلتِ اليها وقد قبلتِ
علوّ
َ اشخاص على حساب الآخرين فاعتبريني أنا خارج منظومتك أنتِ
واؤلئك الذين تدافعين ، أراكِ على خير .

{{
انتفض المظفر من على كُرسيّه على صوت وقع منفضة سجائره التي وقعت على الأرض وكأنه قد أفاق
من نومٍ عميق وذهب ليقف بالقربِ من نافذة مكتبه ويتأمل خُضرة الحديقة وأزهارها،ولكن تفكيره
لا يزال
منصباً مع تلك الأحداث التي كانت ، فعاد الى كرسيِّه واشعل سيجارةٍ
وحدث نفسه عن تلك الحادثة
وما كانت نتائجها ليعود مرةٍ أخرى الى ذلك الموقف
بعد أن ترك السيدة وقال لها ما قال وكأنه يريد
أن يستكمل حُلماً ليس لـ لذته
أنما قد يكون ذلك للتفكر والتدبر فيما سيأتي }}

تذكر المظفر كيف لحقت به السيدة الى مكتبه ،وأتته وعيناها مغرورقتان بالدموع

وهي تردد له وتقول: لا يا مظفر الاّ أنت ، لا تتركني وحيدة ، فأنت الذي يحميني أولستُ أنا
كـ ابنتك أو بالأحرى ابنتك
تحادثه السيدة وصتها محشرج وظاهر في نبرته وجعٌ وخوف
فرد عليها قائلاً : بغض النظر عن كل شئ سيدتي فأنا حقاً قد اتخذت قراري هذا وأتمنى عليكِ
أن تنشري خبر استغناؤكِ عن مهامي الإدارية في مملكتك هذه.

السيدة : يا مظفر ماذا تقول أنت ، أتريدني أن أعلن موتي أمامهم جميعاً ؟! موتي أهون عليَّ
من اِعلانٍ كهذا ، أرجوك أبتِ اهدأ وما تريده سيتم ويُنفذ أنا مستعدةٌ أن
أستغنيَ عن جميع مَن هنا إلاّ أنت

-- لم يرد المظفر على السيدة، ولكن ملامحة كان ظاهرٌ عليها بأن قلبه قد رقَّ لها
وفي عينه
ظاهرٌ تلك النظرة الحنونة منه اليها
--

فعاودت قائلة :حسناً أبتِ لا ترد عليَّ بأي شئ الآن ، لكني واثقة انك لن تخذلني ولن تتركني
سأتركك الآن لتستريح قليلاً ، وفي المساء لنا لقاء
.
{{ أحدهم دقَّ باب مكتب المظفر ودخل ، والمظفر كأنه في سُباتٍ عميق فرد عليه التحية
والمظفر يحملق به دون أن ينبس ببنت كلمة
فقال له :
يا سيد مظفر - واشار له بيده –
وكأن المظفر صحى من سباته وبدا عليه ذلك الجفول حين رآى الموظف ويده تشير له
وقال له :
أهلا أهلا تفضل ، منذ متى وأنت وهنا

فرد مبتسما الموظف : منذ كنت غافياً ، منذ قليل لكني شعرت أنك في عالم آخر
فقال المظفر : لا عليك لعلي كنت كما تقول ، هات ما عندك هل من أمرٍ تريدني به ؟
فقال الموظف : أجل هذه الأوراق فقط اريد مساعدتك بها ، وأن تراجعها لي قبل أن اقدمها للسيدة
فقال المظفر : حسناً ضعها على المكتب وان شاءالله سأراجعها لك غدا صباحاً
شكره الموظف ، واستأذن منه وخرج }}..
لا يزال المظفر غارقٌ في تلك اللحظات التي تذكره بتلك السلبيات للسيدة لا سيما أنه كان
الناصح والمسامح لها في كلّ مرةٍ ، وفي كلِّ مرةٍ كانت تعدَهُ وسرعان ما تتراجع ولا تنفذ وعدها له
وهذا الأمر الذي جعل من المظفر متخوفاً أو أنه لم يعُد على يقين من تصرفاتها ومن قراراتها
بسبب غموضها أحياناً وأحياناً اخرى تكون جداً متقلبة في آرائها وقراراتها فتذكر الموقف الأخير معها
وهذا الموقف الذي بقي له الأثر الكبير في نفس المظفر

( من ذكريات المظفر / 2)

وعاود سرحانه وشروده مع ذاك الموقف الذي كان :

حين أفصح وأوضح لها المظفر وبكل صراحةٍ أنها تتخذ قرارات عشوائية ودون تفكير وأعرب لها
مرة أخرى بأنه لا يسعَد بأن يكون تحت ادارتهاإذ قال لها :يا سيدتي ، أنتِ ربما تليقين بأن
تكوني سيدة أو حت ملكة ، لكن صدقاً لا يليق لكِ ادارة أي عمل ، وأنا وبكل صراحةٍ

أراكِ جداً متقلبة في قراراتك فأراكِ في لحظةٍ وبأقل رمشة عين تتراجعين عن قرارك وحتى
عن وعدك
وكأن شيئاً لم ، في حين لا تهتمين بما تُحدثيه من ضررٍ في
نفوس الآخرين جرّاء تقلبك هذا وعدم وفاؤكِ بوعودك
التي تعدي بها الآخرين، أو ربما أنتِ من النوع الأناني والذي لا يهمه شخصه وذاته ونفسه
وكأن مبدأ عملك
أو شعارك هو ( أنا وفقط أنا ومن بعدي الطوفان )
يحزنني جداً يا ملكة أني أقول لكِ هذا ، لكن هذا حقيقةً ما أنتِ عليه
وما بتُّ على يقين منه ، وها أنا أُعيدها على مسامعك مرة ثانية وثالثة وألف :
أن هذا الأسلوب اسلوب أناني عقيم فاقدٌ لأدنى عقلانية فيه
فلا يغرَّنَّكِ الغرور
بأؤلئك الذين يمتدحونك ويصفقون لكِ على الخطأ قبل الصواب


صُدمت السيدة من قول المظفر هذا ، كانت ما بين سعيدة وتعسة في تلك اللحظة
سعيدةٌ أن أحداً سابقاً ما تجرأ على قول هذه السلبيات فيها ووجاهية وبصراحةٍ تامة
وكانت من التعاسة بمكان أن هذا الأحد هو مَن يحبه قلبها ، وترتاح له
وتعبره والدها - على الأقل أمامه- وفي باطنها هو الرجل الذي تحب وتهوى
لكن كبريائها وأنفتها لم يستسيغا كلام المظفر ، فاحمرَّ وجهها حدَّ الزُرقة فأرادت
أن ترد هذا الموقف والذي اعتبرته هي كصفعةٍ في وجهها للمظفر
فسارعت الى طلب اجتماعٍ عاجلٍ لكل الكادر الإداري في القصر من أكر ادراي
وحتى اصغرهم منصباً وبمن فيهم المظفر
فسارع الجميع الى قاعة الإجتماع ، وجلس كلٍّ منهم على كرسيه
ووقفت السيدة مخاطبةً لهم قائلة :
أحبتي ، أردت ان أجتمع بكم هنا والآن لسبب أني أردت معرفة رأي كلِّ واحدٍ منكم

دون أيةِ مُداراةٍ أو مواراة وهنا وأمام الجميع ، وأنا هنا وكما يعلم
الجميع القائمة الأولى على ادارة هذا القصر وكل القصر تحت ادارتي
وهذا القصر الذي اعتبره مملكتي ، فمَن منكم لا يحب أو لا يرغب أو لا يرى بأني
لا امتلك الكفاءة لهذه الإدارة، ويجدني لا اناسبه كمديرة له فليقل هنا علانيةً
وأنا لن ألوم ولن أغضب ، بل سألبي له طلبه وأعفيه من العمل الاداري الموكل له
الجميع تجهم ، والجميع صار هامساً ومتمتماً ولا يدرون ما سبب كل هذا
والمظفر عرف أن كلّ هذا الإجتماع تمَّ من أجله هو
وكان الذي ألجم كل مَن في القاعة وأسكتهم حدَّ الوجوم حين وقف
المظفر صائحاً بأعلى صوته
( نعم أنا لا تعجبني ادارتك ولا العمل تحت إمرتها وإمرتك )
تجهم ووجم الجميع من تصريح المظفر الصارخ ، ولم يكن بأحدٍ منهم متوقع
أن المظفر هو المعترض على ادارتها وهو القريب من السيدة ، وعوفرا
كان
أشد المتجهمين وأكبر السعداء
السيدة هي الأخرى لُجمت ولم تعُد تدري ماذا تُجيب وتقول للمظفر اصابها الذهول
وجاءت نتيجة اجتماعها على عكس ما هي خططت له فغادرت القاعة وهي حانقة
فهي أرادت احراج المظفر ووضعه في زاوية حتى لا يستطيع الكلام فيها
أو التصريح بأي شئ أو حتى تبداء الرأي
إلا أن المظفر فاق كل توقعاتها
وتكهناتها وتفوقَ عليها وعلى ذكائها الذي تتدعيه
والذي لطالما استخدمته بخبثٍ وسوء
{{أرهق هذا التفكير المظفر ، إذ أنه غفى على مكتبه ونام نوماً عميقاً على كرسيه
ولم يفِق الا في صبيحة اليوم الثاني ، وهو يوم موعده مع مشاعر
أفاق المظفر صباحاً وهو بكامل لباسه الرسمي ،طلب قهوته المعتادة صباح كل يوم
وجلس يشرب قهوته ، وهو يشعر بارتياحٍ كبيرٍ ن بعد كل ذاك العناء في التفكير
مساء الأمس ، والذي أرهقه حدّ النوم }}

{ مقهى المدينة }


احدى مقاهي العاصمة الكبيرة والشعبية ، مشاعر وصلت وجلست في طاولةٍ بعيدةٍ عن الضوضاء
في زاويةٍ هادئةٍ حتى تستطيع الحديث بهدوءٍ وبعيداً عن ضوضاء الآخرين في المقهى
وما هي الا لحظات ويوحنا قد وصل وألقى عليها التحية وجلسوقال :
أشربتِ قهوتكِ ؟
فقالت : لا ، كنت انتظر قدوم أحدكما لأشرب قهوتي معه، وها أنت قد أتيت
وأعتقد أن المظفر سوف يتأخر بعض الوقت أو ربما لن يأتي اليوم
يوحنا : لنشرب القهوة ، وننتظر بضعة دقائق ، فإن أتى كان خير وإن لم يأتِ
بإمكاننا أعتقد أن نتكلم عن ما تريديه أنتِ
مشاعر : نعم بالتأكيد ، إن لم يأتِ المظفر اليوم سأجتمع به مساء اليوم
أو في غداً إن سمحت له ظروفه بذلك
يوحنا : أتمنى أن يأتي
تناولا أطراف حديث عادي ، ريثما شربا قهوتهما ، فبادر يوحنا قائلاً:
أظن ان المظفر لن يأتي الان ن تفضلي ما الذي يمكنني ان اساعدك به
مشاعر : كما تعلم فأنا الآن عندي كامل الصلاحية لترتيب واعادة هيكلة القصر
وما أريده منك يوحنا أن تكون الى جانبي حيث أنك تعرف أن لا احداً هناك يعرفني بعد
لذلك اريد منك أن تضع لي افكارك وتوجيهاتك ، وأن تُعرِّفَني أكثر لا سيما
طاقم القصر الإداري ، فانا لا زلت لا اعرف غيرك والمظفر وعوفرا وقلةٌ ممن الآخرين
يوحنا : هذا الأمر سهل جداً مشاعر ، وأنا سأكون معك قلباً وقالباً لما أنت
ذاهبةً للقيام به من أجل مصلحة القصر ومصلحتنا جميعاً ، وما تأمريني به سأنفذه لك
فهذه أيضاً هي رغبة سيدة وصحبة القصر أن نكون الى جانبك ومعك
مشاعر : حقيقةً أنا سعيدة بما أسمعه منك يوحنا ، وكل حدسي بك كان صائباً
فمنذ البداية عرفت أنك من أضلاع ادارة القصر والذين يمكنني أن اعتمد عليهم
بالإضافةِ لـ المظفر
وهذه أول خطواتي التي سأقوم بها أو بالأحرى قمت بجزء صغير منها فما رأيك يوحنا بها ؟
يوحنا : هذا عمل جميل ، والتجديد شئ سيكون مؤثر حتى في عطاء الموظفين الآخرين
فهو أفضل من أن نبقى على حالٍ واحد دون ان تجديد أو تحديث لأمور ومتطلبات القصر

وأنا معكِ وأشدُّ على يديكِ ، فباشري وتابعي عملك وأنا معك .
مشاعر : شكراً لك هذا القول والذي اعتبره بمثابة ثناء لما قمت به
وكذلك هي موافقة من يوحنا اعتز بها
يوحنا : طبعا موافق ، ولمَ لا أوافق ، فالعمل واضح أنه مُجدي وجديد ولامع
- ما أن أنهى يوحنا كلمته فإذ بالمظفر قادمٌ من بعيد -
وصل المظفر اليهم ، ورد التحية وجلس وقال :
أتمنى أن لا أكون قد تأخرت عليكما
مشاعر : لقد تأخرت يا مظفر ، فقد كدنا ننتهي أنا ويوحنا ولو تأخرت قليلاً
لكنت ما وجدتنا هنا بعد
المظفر : اعتذر
يوحنا : مشاعر هل تريدين مني أي شئ آخر
مشاعر : لا يوحنا ، فما أخذته منك اليوم كافٍ لأن اتابع ما قمت به
وخاصةً بعد موافقتك وتشجيعك وثنائك
استأذن يوحنا وعاد الى القصر ، وترك المظفر ومشاعر في المقهى
المظفر : نعم مشاعر هاتِ ما عندك ، اؤمريني
مشاعر : استغفر الله الأمر لله وحده ن فما عندي كثير يا مظفر
وما اريده منك هو اكثر بكثير من ما اريده من يوحنا، وانا وجدت يوحنا
انسان رائع في تعامله واخلاقه وتفكيره
{{المظفر هزّ رأسه ، وفي داخله يقول أراك لا تعرفين شيئاً نذ البداية
سأتركك لتكتشفي بنفسك كل الحقاق}}
وأنت اعتبرك في القصر الرجل الأول ، فقد تابعت وتتبعت أعمالك
وكيف تُسيّر امور القصر الموكلة اليك من قبل صاحبته ،فإني وجدت فيك
الاخلاص والتفاني أكثر من أيِّ احدٍ هنا
المظفر : شكراً لكِ من القلب على هذا الاطراء وهذه الشهادة التي أعتز بها
مشاعر : ما أريده منك حالياً أن تضع لي تصوراً أو مخططاً بما يخص
ذلك الركن من القصر والذي هو موكلٌ اليك بكامله ، وأنت كما رأيت
سيد ذاك الركن
المظفر : شكرا مرة ثانية ، لكني لستُ بسيدِ أحد ولا بسيد أي مكان
فقط اعمل ما يُمليه عليَّ ضميري ما ناحية ، ومن ناحية أخرى ما
تجودُ عليَّ افكاري ، فأنا احبب التجديد دوماً ، ولا أحب الرتابة الروتين
مشاعر : هذه نقطة اساسية مظفر ، وهذا ما أنا عليه من رأي فلا أحب
الأعمال أن تصل لدرجة الروتين فهي تقتل كل ابتكار أو تجديد
فهل لكَ أن تمنحني ما طلبته منك
المظفر : نعم ، ولك ذلك ، ولحسن حظك أن معي هذا الملف والذي
رسمتُ فيه عن ما أريد تحديثه وتغييره بما يخص ركني كما أشرتِ
وهذا هو لكِ أن تُلقي عليه نظرة ، ولكِ ان تحتفظي به حتى تنتهي منه
مشاعر تناولت الملف من المظفر وفتحته ، ونظرت الى رسومات المظفر التخطيطية
وظهر على وجهها علامات الإنبهار من العمل الذي رأته فقالت :
الله الله يا مظفر ، والله هذا فني وفكري متقنان ، ومتقنان بفن ووعي
ودعني قبل كل شئ أن اقول لك أنتَ للقصر وصاحبته كنزٌ وثروة
المظفر - مبتسما - : لا تمتدحيني كثيراً كي لا أُصاب بالغرور
مشاعر : لا مظفر لا أراك من ذاك النوع من البشر الذين ينتابهم الغرور
فكما علمت وعرفت من اكثر من موظف في القصر أنك تعمل بحرصٍ وبصدقٍ وبصمت
وجميع مَن سألتهم امتدحوك لدرجة أنهم يحبوك حباً جماً
ومازحة قالت ولدرجة – أني شعرت بالغيرة منك -
وأنا الآن أشهد معهم تلك الشهادة وربما اكثر ، فأنت انسان تستحق كل تقدير
واحترام ويجب على الجميع المحافظة عليك

{{ نظرات وكلمات مشاعر كانت معبرةً عن شديد اعجابها بالمظفر كشخص
وبعمله الذي يقوم باتقان ودون أيةِ أخطاء ، وهذا جعل المظفر يشعر
بذاك الإعجاب من مشاعر له }}
المظفر : لا انكر عليك أني سعيداً بما أسمعه منكِ ، مع أني لا احبذ كثيراً
كلمات المدح والثناء والإطراء ، إلا أنها جاءت منكِ مختلفة كونك لم يمرُّ
على وجودك معنا في القصر سوى أيامٍ قليلة
إذن الآن يا مشاعر هل هناك شئ غير هذا تريديه من المظفر ؟
مشاعر : ما أعطيتَني اياه الآن كافٍ لهذه المرحلة ، فهو أيضاً يحتاج لوقتٍ
من أجل عمله وتنفيذه على أكمل وجه وما بعدها التطبيق يكون مسؤوليتك أنت
المظفر : على بركة الله مشاعر ، إذن هل لنا العودة الى القصر فقد غبنا عنه
فترة طويلة ويجب أن نكون متواجدين الآن هناك، فأنا لا أحب الغياب عنه
مشاعر : نعم يكفينا غياب عنه ، هيا بنا

{ القصر }

عاد المظفر ومعه مشاعر الى القصر ، ودخلا كلاهما وسمعا هناك صريخاً
وصوتاً عالياً في احدى ردهات القصر فقال المظفر لمشاعر :
أظن أن هذا صوت عوفرا ، لماذا يصرخ هكذا
مشاعر : وأظنني سمعت صوتاً نسائياً أيضاً ممزوجاً مع صوت عوفرا
المظفر : خيرٌ إن شاءالله / سأذهب لأرى ماذا هناك
مشاعر : سآتي معك
بخطوات سريعة ذهبا صوب تلك الردهة الصادر منها صوت المظفر
وعند اقترابهما من الردهة لمحا – كما قالت مشاعر – أن هناك مع عوفرا
فتاة لكنهما لم يستطيعا التحقق منها جيداً حيث كانت تقف في زاويةٍ
غير مرئيةٍ لهما كفاية ، وهي التي كانت كأنها تهدئُ من ثورة عوفرا
فوصلا الى هناك ، وألقيا التحية على عوفرا ، وتلك الفتاة كانت قد غادرت
المكان حين وصولهما

وصلَ كلٍّ من المظفر ومشاعر الى حيث عوفرا يصرخ ويصيح وقد كانت تلك
الفتاة قد غادرت ، وألقيا عليه التحية إلا أنه لم يرد عليهما تحيتهما
فمن جرّاء ثورة غضبه لم يلحظهما ولم يسمعهما ، وبقي يردد لوحده
ويقول ( هل ثلاثتهم يفهمون وأنا والبقية لا نفهم ، وهربوا خارج القصر ليلتقوا ببعضهم )
كان هذا هو الذي أثار ثورة عوفرا ، فكيف لمشاعر والمظفر ويوحنا الاجتماع دونه
ويخططون للعمل دون درايته ومعرفته ، في هذا الوقت أعمته الغيرة وأعماه الغرور
فهو الذي يحسب نفسه أنه فقط مَن يستطيع العمل ، وأنه وحده المالك للرأي السديد
والتخطيط الأفضل ، وهذا ما يفهمه دوماً من سيدة القصر.
تركه كلٍّ من المظفر ومشاعر في تخبطه ، وذهب كلٍّ منهم الى مكتبه يزاول عمله كالمعتاد

لم يُعجب المظفر الكلام الذي ردده عوفرا ، لكنه هنا فضل الصمت قليلاً ريثما
يرى موقف السيدة من هذه الثورة التي احدثها عوفرا دون أي داعٍ ودون
أي تفكيرٍ مسؤول
سمع المظفر صوت عوفرا والذي كانَ عالياً وهو يتحدث من هاتفه ، وعرف
أنه يتكلم مع مشاعر فذهب الى زاويةٍ تكاد مخفية عن الأنظار وهي زاويةٍ تكون
بين كلٍّ من مكتب عوفرا ومكتب مشاعر، وراح يسمع ما يجري بينهما من حديث ونقاش
عوفرا لمشاعر وبنبرةٍ حادةٍ متهكمة: هل لكِ أن توضحي لي ما الذي قمتِ به ؟
مشاعر بهدوء : قل لي أولاً عن ماذا تتحدث عوفرا ؟
عوفرا : أتحدث عن ذاك اللقاء الخفي ، وعن تلك الخطوة التي قمتِ بها
في جانب من جوانب القصر
مشاعر : أنا أولاً لم أقم بأي شئ خاطئ ، ولم أقم بأي شئ إلا من منطلق
الصلاحية التي منحتني اياها صاحبة القصر وبعلمكم جميعاً
( في هذه الأثناء دخلت الى مكتب عوفرا الفتاة ، والفتاة هي ياعيل ، فصارت
تهدأ من عصبية عوفرا وترجوه بأن تكون اعصابه متماسكة ولا يسمح لها
" أي لمشاعر " بأن تستفزه )
عوفرا ولا زالت حدة نبرته ظاهرة : اسمعي يا مشاعر نحن معتادون أن تتم كل الأمور بيننا
هنا بمبدأ التشاور
وأنتِ فعلتِ ما فعلتِ دون أن تأخذي رأينا
او موافقتنا أو ان تضعينا بصورة ما قمتِ به

مشاعر : يا فاضلي أنا قلت لك منذ البداية ، أنني لم أقم بأي شئ دون علم سيدة القصر
فلماذا أراكَ عصبياً دون أيِّ داعٍ لذلك ،
عوفرا ( أعاد على مسامع مشاعر نفس جملته ) : هل أنتم ثلاثتكم الذين تفهمون
وأنا والبقية هنا لا نفهم ؟ هربتم خارج القصر للتلاقي
وعملتم ما عملتم ( من تحت الطاولة )

( هنا التقطت ياعيل السماعة من يد عوفرا
لتحدث مشاعر قائلة وبنبرة حادة قالت :) :
اسمعي يا مشاعر أنتِ جديدة ولا تعرفي عن نظامنا شئ هنا
في هذا القصر
فأرجو منكِ عدم تجاوزنا
مشاعر تفاجأت بها وبقيت محافظة على رباطةِ جأشها وقالت :
ياعيل أنا أتفهم كل شئ هنا ، وكل شئ بمعرفة السيدة ولا داعي أن أعيد الحديث مرة ثانية
ها هو عندك عوفرا فليوضح لكِ ما قلته له


( مكتب عوفرا )

(( لم يَطِبْ للمظفر والذي يسمع كامل الحديث ، ما قاله عوفرا بشأن
لقائه مع مشاعر هو ويوحنا فدخل الى مكتب عوفرا فوراً وقال له )) :
يا رجل أنا لا ولم أتدخل بك وبما تقول فهذا شأنك في حديثك مع مشاعر
لكن بشأن كلامك هذا فلم يهرب أحد من أحد
فما فعلناه بلقائنا كان أمام الملأ وليس بمخفي / وكله كان بعلم سيدة هذا المكان
ثم سأريك المخطط الذي قدمته لمشاعر من أجل صيانة جزء من القصر
والذي الجزء الخاص بي
فاتمنى عليك أن تكون أكثر دقة بألفاظك وبما تقوله ، فلا يصح هذا الكلام من رجل مثلك
وليس هناك أي سرّ نقوم به ، فكله مُعلنٌ للملأ
(( لم يستطع عوفرا الرد بأيةِ كلمة على ما قاله المظفر فصمت فهو
يعرف بأنه لا يستطيع مجاراة المظفر في القول والحكمة))
الى إن جاء يوحنا هو الآخر الى مكتب عوفرا ، وقال قراره الأخير أمامهم جميعاً
ــــ وقرار يوحنا كان من خلال المنصب الذي يتولاه كمديرٍ للقصر ــــفقال:
يا اخوتي اتمنى أن يهدأ الجميع هنا ، وما أُريد قوله أنني قد اوافقت
على ما قامت به مشاعر بحكم موقعي الوظيفي ولا أرى فيه أي شئ
يتعارض مع مبادئ وأحكام قصرنا هنا ، وعلى جميع الأحوال لنرى
الى أين ستصل بنا مشاعر بهذه الاصلاحات أو التطويرات التي تقوم بها فلعلها تكون لخيرنا جميعاً
فهي بعد أيها الأخوة لم تبدأ الا بشئ قليل جداً ، وأنتم ثُرتم عليها كل هذه الثورة دون داعٍ
فيا اخي عوفرا أتمنى ان تكون أكثر حكمةً وأكثر هدوءً ، واعتبر هذا
هو قرارٌ مني أنا يصفتي الإدارية
فيما قامت به مشاعر وأنا موافق عليه ، واللقاء يا عوفرا كان لقاء عمل
فلا داعِ لقول مثل ما قلته قبل قليل ، فنا نعمل من أجل المصلحة العامة
(( سمعت مشاعر ما قاله المظفر وما قاله يوحنا وأُثلج صدرها موقف
هذين الرجلين واللذان هما التي اختارتهما للنقاش معها ))

واختتمت هي بدورها حديثها مع عوفرا بالقول سأنتظر ما تقوله
سيدة المكان الى جانب ما قاله المظفر وقرار يوحنا

بعد ما قاله يوحنا من قرار ، ذهب الجميع كلٍّ الى حيث عمله وموقعه
الجميع
كان مترقب ما ستقوله سيدة القصر في كلِّ هذه الإحداث المتسارعة التي حدثت
السيدة من مكتبها تُشاهد بواسطة الكاميرات التي وضعتها لتشاهد من خلالها
كل أركان القصر وما يجري به - فهي ذكيةٌ جداً في هذا المجال ن وكذلك في أساليب التخفي -
فلم تعد تعرف كيف تتصرف ومَن تستشير ه في هذه الحالة
فأعطت لنفسها الوقت الكافي كي تُفكر ، لأنها تعلم أن الجميع
ينتظر منها القول الفصل في كل ما حدث

وحتى تضع لهم النقاط على الحروف ، وتبقى الأمور تسير في القصر
بهدوء
ودون أيةِ مشاكل أو سوء تفاهم بين أيٍّ كان فهي من محبي الهدوء
في هذه الأثناء لم تهدأ ثورة عوفرا ، فقد صارت ثورةٌ صامتة
وبقي يتواصل
مع السيدة ما بين لحظةٍ واخرى ، محاولاُ ثنينها
عن قرارها بشأن ما أعطته لصديقتها الغالية مشاعر من صلاحيات
وكذلك بشأن ما قامت به من عملٍ بسيط
وإعادته كما كان عليه سابقاً
وكذلك الغاء قرار يوجنا الذي كان صادماً بالنسبةِ له


( مكتب السيدة )

تشبعت السيدة كثيراً من كلام عوفرا ، وبما أوهمها بها وبأن كل ما يقومون به
ثلاثتهم ليس بالأمر الصائب ، حتى جعلها تتناسى أو تنسى أنها هي مَن وافقت
منذ البداية على كل ما اموا به ( مشاعر والمظفر ويحنا 9
بعد ساعةٍ من الزمن أو ربما أكثر طلبت السيدة من كل المعنيين التواجد عندها في المكتب
وهم يوحنا والمظفر وعوفرا ومعهمياعيل التي أقحمت نفسها في الموضوع دون داعي
حضر الجميع الى مكتبها ما عدى مشاعر اتي كانت قد غادرت القصر
من أجل اتمام بعض الأعمال الخاصة بها
فجلسوا جميعاً كالمعتاد على طاولة الإجتماعات
والسيدة مترأسة الإجتماع فوقفت وألقت عليهم التحية وقالت :
لا أريد ان أُطيل عليكم كثيراً ، وقد رأيت وسمعت كل ما دار بينكم من حديث
ولا أُريد أن نعيده هنا للنقاش أو المداولة ، فلقد اعتبرته كأنه شيئاً لم يكن
وعليه فإني قررتأن يبقى الحال كما هو عليه في كافة أنحاء القصر
ومسألة الإصلاحات والتطويرات نؤجلها لأجلٍّ غير مسمى
وأشكركم كلكم ، وأتمنى ان يتفهم الجميع قراري هذا وان تعلموا به
فأول مَن قام ليشكر ويُبجل كلمة السيدة وقال كلمته بعدها هو يوحنا وقال :
قرارٌ من السيدة هو حكيم وصائب ، وأنا اعتذر عن قراري فكلنا نخطئ
ولكن علينا ان نعترف بالخطأ ونتراجع عنه في الوقت المناسب
وها أنا أمامكم اعتذر وأتراجع عن قراري الذي قلته قبل ساعات
وربما كنتُ متسرعٌ به بعض الشئ فاعذروني .
(( كان قرار السيدة صادمٌ جداً للمظفر ، ومُفرحٌ جداً لـ عوفرا وياعيل ومعهم يوحنا
لم يدرِ المظفر ماذا يقول حينها ، لكن علامات الغضب ظاهرةٌ جليّةٌ
على كل ملامحه
،
وحتى على نظراته التي يرمق بها السيدة حيناً
ويوحنا حيناً آخر ))

ذهولٌ أصابه للمظفر وباطنه كله قد امتلأ تساؤلات وذهول واستغراب
لكِّ هذا التنقاضات والتي ظهرت كلها مرة واحدة وفجأة
فكيف يكون هكذا التناقض الكبير في لمح بصر ، كيف للسيدة أن
ترمي بصديقتها - والتي هي مَن أتَتْ بها وقالت أنها غالية على نفسها -
ولم تكترث لصديقتها وماذا سيكون من ردة فعل لها
ولم تكترث لذاك التعب
الذي تعبته على مدار ليالٍ من أجل انجاز
ما تم نجازه لحينه ، فكيف يكون
هذا الاستهتار بالعمل والمشاعر
وحتى استهتارٌ بالصداقة


بعد أن غادر المظفر مكتب السيدة مع الجميع الذين كانوا متواجدين لحظتها
ذهب الى مكتب مشاعر ليسألها لمَ لم تأتِ، فلم يجدها في مكتبها
وعاد الى
مكتبه وتحدث هاتفياً مع مشاعر
- فثورة الضيق والغضب اللتان في صدره لم يستطع كبحها -

فسألها الهاتف أين أنتِ ؟ فقالت : أنا في طريقي القصر
فقال : اذن اسرعي ، فهناك أمور عاجلة وطارئة وصادمة قد حصلت
قالت : لعله خيراً ، لقد اخفتني ، هل لك أن تعطيني ولو فكرة
بسيطة عن ما حدث ؟
قال : باختصار شديد ، أُلغي كل شئ ، ويوحنا تراجع عن قراره
والسيدة قررت
عكس ما اتفقت معكِ عليه وعلى النقيض منه
قالت : حسناً يا مظفر ، لا عليك إني قادمة

وصلت مشاعر الى القصر ، وذهبت فوراً الى مكت المظفر تستفسر منه
عن الذي حصل في غيابها ، دخلت مكتبه وألقت عليه التحية
فرد عليها تحيتها وقال لها : تفضلي اجلسي
جلست مشاعر وسألته : قل لي يا مظفر ما الذي حصل / وما الذي قلته لي على الهاتف
المظفر : نعم مشاعر ، فما قلته لكِ هو الذي حصل ، وأنا ما زلتُ بدهشةٍ
حدِّ الانفجار مما رأيته وسمعته ، وتلك التناقضات والتي اعتبرها حقاً مُريبة
مشاعر : أيعقل أن السيدة قالت وقررت ذلك
المظفر : هاي هي عندك تستطيعين أن تسأليها
مشاعر : طبعا لا بد وأن اكلمها وأفهم منها عن الأسباب التي جعلتها تقرر كل هذا
مظفر : والأغرب من موقف السيدة موقف يوحنا يا مشاعر
مشاعر : ما به يوحنا هو الآخر
المظفر : يوحنا انقلب رأساً على عقب في قراره وفي كلِّ موقفه ، وتبِع السيدة
وعوفرا بما قررا
مشاعر بتعجبٍ ظاهر على ملامحها : يوحنا !!! أيعقل ، وأنا التي كنت أظن أنه
رجل يمكنني الإعتماد عليه
مظفر – مبتسماً - : يا مشاعر هذا أنا أعرفه عن يوحنا منذ زمن ، وما أحببتُ الافصاح لك عنه
فتركتكِ لتكتشفي ذلك بنفسك ، خوفاً من أن تظني بي حينها ظناً آخراً سلبياً
مشاعر : حسناً يا مظفر سيكون لي معه كلاماً آخراً ، لكن الآن سأستأذنك
لأذهب وأرى االسيدة وأسمع منها لمَ كل هذا قد حصل بطرفة عين
المظفر : حسناً مشاعر ، سيكون لنا لقاء إن شاءالله وحديث بعد أن تستوضحي منها الأمر.
خرجت مشاعر من مكتب المظفر ، وذهبت أولاً الى مكتبها واخذت بيدها
بعض الأوراق التي تخص عملها في القصر ، وتوجهت الى مكتب السيدة

{ مكتب السيدة }

دخلت مشاعر لمكتب السيدة وألقت التحية عليها / والسيدة بالمقابل ردت لها تحيتها
فقالت مشاعر : نعم صديقتي هل من جديدٍ لديكِ ؟
السيدة : ألم ترِ أحد مشاعر عندما أتيتِ ؟
مشاعر : بلى، فقد رأيت المظفر فقط
السيدة : إذن فالمظفر مؤكد أنه أخبرك ما تم من قرار هنا
مشاعر : نعم أخبرني المظفر ، لكني أريد أن أسمع منكِ أنتِ لا من المظفر أو غيره
فعلاقتي معكِ أنت منذ البداية ، ثم لمَ كل هذا التغيير المفاجئ في قراراتك؟
السيدة : نعم يا مشاعر صحيح ما سمعتيه من المظفر ، هذا قراري كان
فأنا يهمني مصلحة القصر ثم أن يكون كل مَن فيه راضين وغير منزعجين
فمنهم من أبدى انزعاجه لما قمتِ به مؤخراً
(( هذه النظرة والفكرة غرسها عوفرا غرساً بفكر السيدة ، من تلك اللحظة
التي تم بها اجتماع مشاعر والمظفر ويوحنا ، وثارت ثائرته لذلك لأنه لم يكن
أحد اطراف الإجتماع ، وتم استبعاده من الإجتماع ))
مشاعر : إذن لن اناقشك بش طالما هذا هو قرارك ، لكن خذي هذه الأوراق
واقرئيها على مهلٍ ففيها كل مخطط العمل الذي كنت سأقوم به من أجلكِ أولاً
ثم من أجل قصرك ، أما الآن فلا أدري ما عادت حاجتي للتواجد في قصرك
السيدة : لحظة يا مشاعر ، أرجوكِ لا تغضبي مني ، فأنا لا زلت أريدك معي
وليس ما كنت ستقوين به هو الذي بيننا فقط ، لكن أستحلفك بالله لو كنتِ
مكاني ماذا كنتِ ستفعلين ؟
مشاعر : إن أردتِ الصدق والحق ، فلو أنا مكانك فعلاً فكنت أول ما أقوم به هو
استبعاد هذا الـ عوفرا من قائمة الإدارة ، ووضع المظفر المستشار المُطلق للقصر
ثم هذا الـ يوحنا لا أظنه يصلح لأي منصب اداري ، فقط يكون كباقي الموظفين
فهو كما لاحظته متقلب جداً وليس له رأي ولا شخصية في المواقف الجدية
السيدة : يا الله ، اذن أنتِ كأنكِ تعني أنني لستُ بقادرة على الاختيار الأنسب هنا ؟
مشاعر : أنتِ فقط يا صديقتي جداً متقلبة وهوائية ومزاجية في قراراتك وهذا
للأسف ما لاحظته فيكِ خلال فترة وجودي هنا
السيدة : أنا أتفهم كل ما تقوليه مشاعر ، لكن أرجوكِ أن تبقي معي ولا تغادري
وأنتِ بمنصبكِ كما أنتِ عليه الآن ، لم يتغير شئ من هذا أبداً
مشاعر : شكراً لكِ على كل شئ ، لكني حقاً أخاف في لحظةٍ ما أن ينقلب كل هذا الرأي
وهذا القرار منك فلذا مغادرتي من هنا هي الأفضل لي ولكِ وللقصر
السيدة : أرجوكِ يا مشاعر تتفهمي موقفي
مشاعر : قد فهمت وتفهمت ، وقلت لكِ رأيي بكل وضوح وصراحة وشفافية
وأنتِ لم تتقبليه وأعرف هذا ، لكن قبل أن أغادر أحب أن أقول كلمة حق
ولكِ أن تأخذي بها أو لا ، الرجل الحقيقي عندك هنا في القصر هو المظفر فقط
فحافظي عليه قدر استطاعتك فهو لا يُعوض فعلاً ، أراكِ على خير .

غادرت مشاعر مكتب السيدة ، واتجهت الى مكتب المظفر والذي كان ينتظرها
لتعلمه ما تم بينها وبين السيدة
وقبل أن تصل لمكتب المظفر ، عرجت لمكتب يوحنا ودخلت اليه وقالت:

يا يوحنا فقط أردت أن أقول لك : ألم تكن تستطيع أن تكون رجلاً في
موقفك وقرارك لمدة أربعٍ وعشرين ساعة أي مدير أنت !!
ظلمتك سيدتك بهذا المنصب ، واأسفي !!!
وغادرته قبل أن يستطيع أن ينبس بكلمة


{ مكتب المظفر }

دخلت مشاعر ودون أي مقدمات وقالت :
يا مظفر سيدتك للأسف لا تعي شئ، وسوف تخسر الكثير والكثيرين في القادم من أيام
فأنا أحسست كأنه قد تمَّ لها غسيل دماغ ، وأنت تعرف مَن هو اللاعب الحقيقي
في عقل هذه السيدة والتي هي صديقتي ، أو بالأحرى منذ اللحظة التي كانت صديقتي
لكن حقيقة أقول لك يا مظفر أنت مكسبي الوحيد الذي كسبته من هذا القصر

وتسعدني وتشرفني معرفتك وصداقتك طول العمر ولس فقط هنا
المظفر - الوجوم ظاهر عليه : ما الذي حصل يا مشاعر ، دخلتِ ودون أية مقدمات
قلتِ كل هذا فلم أعد أدري ما الذي حصل بينك وبنها
مشاعر : دار بيننا الكثير يامظفر ، لكني قلت لك خُلاصة الكلام وخلاصة اللقاء
وأنا منذ هذه اللحظة لم يعد لي مكان في هذا القصر ، وسوف اغادره حالاً

لكني أحببت أن تكون آخر شخص أراه هنا ، ولأقول لك صفوة الكلام الذي تم
المظفر : يا الله ، كل هذه القرارات في بضع لحظات ، ما الذي يجري، وما الذي جرى
لعقل هذه السيدة والتي باتت لا تعي ما هي فاعلة !!
مشاعر : على كل الأحوال يا مظفر ، الآن سأستودعك الله ، وقبل انا اغادر
هذا رقم هاتفي إن احببت أن تتواصل معي فيما

المظفر : لن اثنيكِ عن قرارك يا مشاعر ، فأنا جداً ممتعضٌ من السيدة وتصرفاتها
ولي شرف التواصل معك طبعاً يا مشاعر ، فإني جداً احترمك واقدرك

لصدقكِ في التعامل ووضوحك وصراحتك في القول والعمل ، واليكِ هذا
رقم هاتفي احفظيه عندك وسيكون لنا تواصل باذن الله
مشاعر : حسنا يا مظفر ، نلتقي على خير ان شاء الله ، استودعك الله .

غادرت مشاعر مكتب المظفر ، وحزمت كل اغراضها الشخصية وغادرت القصر
وجلس المظفر في مكتبه واجماً حائراً مفكراً بكلّ الأحداث التي مرت في الآونة الأخيرة
فلم يعد يدري كيف يحدث هذه السيدة المتقلبة صارت بكلِّ شئ ، وحتى
أصبحت لا تستطيع الإيفاء بما تعِد به ، فلم يرِد المظفر الذهاب الى مكتبها
ومحادثتها ، ففي هذه اللحظة هو غير قادر حتى على النظر في وجهها أو رؤيتها
ففضل أن يرسل لها خطاباً مع أحدهم ، فجلس الى مكتبه وكتب :
((( السيدة المبجلة ، سيدة القصر بل وملكته وسلطانته ، يسعدني جداً أن
أقول لكِ ما قلته لكِ سابقاً واكثر من مرة : حقاً إنه لا يشرفني أن أكون أحد
اداريي هذا القصر ، فقد صار الإداري هنا مكروهاً من الجميع ، وذلك من
الأفعال التي يروها تحدث أمامهم وكلها مشحونة بالظلم والخداع مع رجائي
أن تعتبري خطابي هذا هو بمثابة استقالة من منصبي لديكِ في قصرك المصون هذا
فكيف لكِ ان تفعلي كل هذا بالانسانة التي أتيتِ بها أنتِ وطلبتِ منا جميعنا الترحيب بها
والوقوف جانبها ومساعدتها ، وتم تعريفها لنا من قبلك على أنها صديقتك الغالية
فإذا كنتِ تتصرفين مع غاليتك بهذا الشكل ، فما هو الضامن لي أن لا يأتي
دوري من ظلمك هذا ، وأكون أنا في مكان مشاعر ، كما فعلتِ معها
فأنا حقيقةً واقولها لكِ بكلِّ صراحةٍ لم اعد أثق ولا اصدق أي كلمةٍ منكِ
واعذري صراحتي معكِ ،فأنا لا أكذب بأقوالي ولا بعواطفي ولا بأعمالي
وأظنكِ تعرفيني حق المعرفة ، ولن أكون أنا المظفر الذي يختم ويوقع ويبصم لكِ
على قراراتك اللامسؤولة كما يفعل غيري
واعذريني أني اخاطبك هنا من خلال هذا الخطاب فصدقاً لم أرغب في رؤياكِ امامي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )))
وضع المظفر الخطاب بنغلفٍ ، ونادى على أحدِ الموظفين ، وطلب منه أن يوصل
الخطاب للسيدة في مكتبها .
استلمت السيدة الخطاب ، وعندما رأت أنه من المظفر ، بدى عليها الاستغراب
ففتحته وجلست تقرأ به ، ودون درايةٍ منها سقطت من عينها دمعاً على ورقة الخطاب
ولم تعد كيف تدري ماذا تقول للمظفر او بماذا تجيبه ، إلا أنها حملت الخطاب
وراحت متوجهة الى مكتب المظفر .
..
فأنت تعرف أني لا أستطيع الإستغناء عنك وأنك تبقى الأهم عندي دون الجميع( مكتب المظفر )

دخلت السيدة مكتب المظفر ، وقالت : ما هذا يا مظفر الذي أرسلته لي
المظفر : أهلاً سيدتي ، لعلي أعرف ذلك نعم ، لكني للأسف ما لمسته منك فقط
هو مجرد قول تقوليه وتنطقي به ، لكن عملياً لا يظهر صدق كلامك ولا مشاعرك
السيدة : أرجوك يا مظفر ، هذا الكلام جداً يجرحني ، فكأنك تقول لي بأني كاذبة
المظفر : أنا لا أقول كاذبة ولا صادقة ، ما أقوله هو ما ألمسه منكِ وما أراه بأفعالك
فأنتِ تقولين لي شئ وتنفذي على خلافه ، وهذا حقك ، فالقصر قصرك
ولكِ أن تفعلي ما تشائي به
لكني أنا أعود وأقول لكِ أنني بغيرِ راضٍ عن كل ما يحصل وما حصل
وكذلك أعود وأقول لكِ :
أنه حقاً وفعلاً ليس لي أي فخر بأن أعمل تحت إدارتك هذه المتقلبة،وأن
أكون في صفاف هؤلاء الإداريين عندك ، والذين فقط يعرفون كيف يتم

البصم والتوقيع دونما معرفةٍ على ماذا يوقعون ويبصمون
فقط يهمهم رضاكِ ،
وأنتِ أراكِ سعيدة بكل هذا النفاق الذي يصير .
السيدة : يا مظفر أرجوك تفهم موقفي وقراري
المظفر : أي موقف وأي قرار يا سيدتي ، وهذا الذي فعلتِه مؤخراً مع صديقتك
والتي قلتِ أنها غالية عندك،فبعد هذا كيف يمكنني الوثوق بأي كلمة تصدر منكِ أو حتى أي وعد
أمِن أجل هذا تريدين أن يكون حديثي معكِ جانبياً ودون أن يعلم به أحد ؟!!
غريبةٌ أنتِ سيدتي بتقلبك هذا الغير محسوب والغير مُبرر
((( تجهمت السيدة هنا ، ولم تعد تعرف بماذا ترد على المظفر بعد كل هذا الكلام منه
فاكتفت بالقول :
اعذرني يا مظفر ، فإني احسُّ بصداع انتابني الآن / استأذنك وإن شاءالله خيرا
وغادرت مكتب المظفر ، والمظفر تركها تمضي بحال سبيلها دون أن ينطق بكلمة )))

غادرت مشاعر القصر ، والأمور بقيت كلها على حالها كما كانت ، وكما أرادت

لها السيدة وعوفرا ، ولكن لم ينقطع تواصل المظفر مع مشاعر ، وكثيراً ما كانوا
يتواصلون ويتحدثون مع بعضهما
والمظفر بقي في القصر يقوم بما هو واجبٌ عليه تجاه عمله في القصر على أكمل وجه
وكما معهودٌ منه ، إلا أنه ابتعد عنهم وعن من يُسِّنُونَهُ من قرارات لم تكن أبداً

تعجبه ولا تروق له ، فكان يكتفي بالنظر الى ما يقومون به ، وهم بعيدون عنه وعن عمله
فلم يكن هناك أي تدخل منهم بعمل المظفر ، لا سيّما أنهم
لم يستطيعوا ايجاد أيةِ ثغرةٍ في عمل المظفر

...
زارَ المظفر في أحد الأيام صديقٌ له يعمل في قصر آخر ، وهناك رآه صاحب القصر
فتوجه اليه وألقى عليه التحية وعلامات الفرح باديةٌ على ملامح صاحب القصر
وهو ( السيد مُلهم )
رحب به رحيباً مهيباً ، وهذا كان مُفاجئاً للمظفر ، وفاجأه أكثر حين
طلب منه صاحب القصر (السيد مُلهم)
مساعدته في ادارة قصره

فرَّدَّ عليه قائلاً : لي الشرف في ذلك سيدي ، ولكن أنت تعلم أنني أعمل في قصر السيدة
وربما هذا يكون ممنوعٌ في قوانين قصرك ، كما في قوانين قصر السيدة
فقال له : نعم أعلم ذلك ، وليست من قوانين هنا ، فهذه حرية شخصية لأيٍّ كان
فأنا فعلاً أريدك معي هنا ، حتى لو كان وجودك
في فترات متقطعة وغير محددة

فأجاب المظفر : إن شاءالله خيراً سيد مُلهم، لكن اعطِني بعض وقت وسأرد على طلبك

(( ما طلبه صاحب القصر هذا من المظفر كان مبيناً على ما كان قد رآه
من جدٍّ ونشاط في عمل المظفر في قصر السيدة ))

غادر المظفر قصر السيد مُلهم ، ذاهباً الى قصر السيدة وعند وصوله القصر
توجه فوراً الى مكتب السيدة وقال لها : سيدتي عندي شئ اريد أن أُخبركِ به
فقالت : أهلاً مظفر تفضل ، قُل ما عندك
فقال : أنت تعرفين لا شك السيد مُلهم صاحب القصر المُحاذي لقصرنا هذا

فقالت : نعم أعرفه ، فهو انسانٌ محترم ، وأنا احترمه جداً ، ما به ؟
المظفر : كنت في زيارة احدهم اليوم في قصره ، وقد رآني هناك وطلب مني أن اساعده
في ادارة قصره هنا ، لكني لم أرد عليه بشئ ، ريثما أقول لكِ وآخذ موفقتك
السيدة : أنا أحب كل الخير لك يا مظفر ، لكن ماذا عن عملك هنا ؟ ، وكيف سترتب امورك ؟
المظفر : أولاً اشكرك لما تحبيه لي ، ثم عملي في القصر هنا لن يتأثر
بأي شئ إن أنتِ وافقتِ لي للعمل هناك

السيدة : وهذا ما يهمني يا مظفر ، توكل على الله ، وأنا واثقة بك أكثر من ثقتي بنفسي
المظفر : هذا يعني أن السيدة موافقة على عملي هناك
السيدة : طبعاً يا مظفر ، توكل على الله
استأذنها المظفر ، وذهب الى مكتبه
وفي طريق ذهابه الى مكتبه استوقفته
احدى الموظفات العاملات في القصر

طالبةً منه بصورةٍ غير مباشرة مساعدتها بشئ كان خارج نطاق القصر
ورد عليها المظفر في حينها بقوله : إن شاءالله خيراً ، وإن شاءالله تكوني سعيدة قريباً


دخل المظفر مكتبه ، وقام بالاتصال بصاحب القصر ( السيد مُلهم )
وأخبره عن موافقته للعمل في قصره
فقال له مُلهم : أهلاً ومرحباً بك يا مظفر في أي وقت ، وسأكون بانتظارك
وستجد عند قدومك كتاب تعيينك بمنصب المدير العام للقصر
المظفر : إن شاءالله سأكون متواجداً عندك في ساعات المساء


في هذه الأثناء كان السيد مُلهم قد أعلن بقصره عن تنصيب المظفر مديراً
وفي نفس الوقت كان التلصص من عوفرا قائماً على كل تحركات المظفر
فكان خبر هذا التنصيب قد وصل الى عوفرا بطريقةٍ ما
وهذه كانت فرصة
ذهبية لعوفرا كي يأخذها نقطة ومأخذاً على المظفر
فما كان من عوفرا الا أنه وجه للمظفر خطاباً رسمياً بهذا الشأن
ليقول له :

((( أنت تعلم يا سيد مظفر أن أنظمة وقوانين القصر هنا لا تسمح لأي أحدٍ
وعلى الأخص الإداريين من تسلُّم أي منصبٍ إداري في أيِّ مكانٍ آخر
وأنا قد رأيت أنك مديراً عاماً في قصر السيد مُلهم ، وهذا لا يجوز وغير مسموح به )))

وصل الخطاب الى المظفر ، قرأ ما جاء به ، وتبسم وضحك مما جاء في خطاب عوفرا
وقال بينه وبين نفسه : (( كما توقعت حصل ))

وعلى قصاصة ورق صغيرة أرسل لـ عوفرا رداً على خطابه وكتب :
(( كل ما قلته في خطابك صحيح، والسيدة على اطلاع به
وبامكانك مراجعة السيدة بهذا الشأن، وشكراً ))


عاد المظفر الى عمله في مكتبه كالمعتاد ، وتذكر طلب تلك الفتاة منه
ففكر في الأمر كيف يمكنه إيصال مساعدته لها ، ودون علم أحد
وأن يتم الأمر خارج القصر ، وهو يعلم أن أي طلب إتصال خارج القصر
غير مسموح به وهو من الممنوعات ، إلاّ انه في نفس الوقت تذكر
أن السيدة في لحظةٍ من اللحظات تجاوزت هذا الممنوع حين سمحت له
ولـ يوحنا بالالتقاء بـ مشاعر خارج القصر ، وثم تذكر كلام السيدة له
حين قالت بأنها تثق به وبما يعمله ، وهذا كان حافزاً ومشجعاً للمظفر

بأن يقوم بطلب الالتقاء بتلك البنت خارج القصر ، على اعتبار أن الثقة
كبيرة وحاصلة بينه وبين سيدة القصر ، وأنها لن تظن به سوءاً مهما كان الأمر
فأرسل المظفر على قصاصةٍ صغيرةٍ من الورق الذي أمامه لتلك الفتاة وقال لها فيها :
(( ستجدي في مقهى البلد غداً شيئاً لكِ ))
وأرسل لها القصاصة ، وما هي إلاّ لحظات أتاهُ الرد من الفتاة رداً على قصاصته

من تلك الفتاة ((على أنها لا تستطيع ذلك ، ( أي لا تستطيع الوصول للمقهى ذاك )
مزق المظفر قصاصتها ، وكأن شيئاً لم يكن ، ونسي الفتاة وأمر طلبها منه
وقال في نفسه ( طالما هي لا ترغب ، فلا استطيع هنا من تقديم شئ لها )
وعاد لعمله المعتاد
وفي هذه اللحظات كانت تلك الفتاة قد ذهبت لمكتب
السيدة
وفي يدها قصاصة المظفر التي يطلب فيها منها أن تلتقي به خارج القصر

وكانت بذلك كأنها قد تُقدم شكواها للسيدة عن ما فعله المظفر
والمظفر في نفس
الوقت كان يعمل بجدٍّ من أجل شئ جديد من أجل القصر
فأرسلت له السيدة برسالةٍ على غرار الرسالة التي كان قد أرسلها لها سابقاً
وقد أرفقت في رسالتها صورة من قصاصته لتلك الفتاة ، وكانت تستفسر
من
المظفر لمَ قام بذلك !؟
ذُهلَ المظفر من رسالة السيدة ، لا سيما من تلك الصورة من قصاصته للفتاة

الاّ أنه استقبل الأمر بابتسامةٍ وصدرٍ رحبٍ ليرسل للسيدة الرد فوراً ويقول لها :
(( هي بالفعل هذه الصورة المرفقة برسالتك هي صادرة مني ، لكنني ما فعلته
كان من أجل مصلحة الفتاة ، والله من وراء القصد ))
رد المظفر على رسالة السيدة رداً بسيطاً كونه يعلم أو أنه على ثقة أن مثل هذه الأمور

تجري بينه وبين السيدة ولا أحد يعلم بها سواهما ، وهذا ما كانت السيدة قد
طلبته من المظفر مرات عديدة أن تبقى الأمور بينهما طي الكتمان ولا يعلم بها أحد
لذلك المظفر لم يجد ضرورة من الشرح المطوّل للسيدة ، على اعتبار أنها تثق به
وتعرفه حق المعرفة من ناحية ، ومن ناحيةٍ أخرى أن بامكان السيدة تجاوز الأمر بطريقتها

كما يمكنها أن تتعاطى وتتعامل مع تلك الفتاة بأسلوبها اللبق كي
تهدئ من غضب الفتاة إن كانت غاضبة فعلاً ، وكي يمرّ هذا الأمر
دون أي ضوضاء أو مشكلة تظهر على الملأ داخل القصر


كانت ثقة المظفر كبيرة بالسيدة بهذا الشأن ، ولم يُعِر للأمر اهتماماً ، بل
مرَّرَهُ بينه وبين نفسه ولم يكترث كثيراً للأمر ، واعتبره أنه أمراً عرضياً
وبات مقضيّاً
لا سيما أن الأمر فقط هو لغاية الآن بينه وبين السيدة
وهو برمته بين يديَّ السيدة
ولا أحد يعلم به سواهما

ردَّ المظفر بذلك الرَّد على تساؤل السيدة ، ولم يكن بذي حاجة للشرح المفصل لها
على اعتبار الثقة التي بينهما حسب اعتقاده وتفكيره من خلال العشرة وطول سنيَّ العمل معاً

كعادته عاد المظفر الى عمله ، وكأنَّ شيئاً لم يحصل ولم يكن ، وفي هذه الأثناء
كان المظفر قد جلب للسيدة موظفةٍ جديدةٍ وممن هُنَّ ترُقن للسيدة وبهنَّ منفعةً للقصر
وممن هُنَّ معروفات لدى المظفر من خلال عمله في أماكن أخرى قبل عمله فيقصر السيدة
فقام المظفر من مكتبه ، ولم يشأ اخبار السيدة بالأمر مُسبقاً بل أحب ان تكون لها فاجأةً جميلة
فتجول المظفر في أرجاء القصر ، وفي صالة القصر الكبرى حيث هناك لوحة الإعلانات
وقف أمامها المظفر يُراجع ما بها من اعلانات لربما لم يراها من قبل
وإذ ببيانٍ قد كُتبَ بخطٍ عريض وظاهرٍ ، والعنوان كان هو الذي أذهل المظفر
فإذ بالعنوان هو اعفاء واستغناء عن خدمات أحدهم ، ولم يكن يعرف حقيقة الأمر
ابتدأ بالقراءة حتى السطور الأخيرة من البيان ، فإذ أن أسمه هو المقصود من البيان
زادَ ذهولاً ، ففي البيان ، والذي هو كان بياناً لقرار ، وجد نفسه أنهم قد
صاغوه بصيغةِ المذنب ، وأظهروا ذنبه على أنه الذنب العظيم والذي لا يُغتفر
بل وأكثر من هذا ، فهم صوروه من خلال بيانهم بأنه على قدرٍ سئٍ من الخُلق
وأنه المُستغل لمنصبه في سبيل أهدافه الشخصية والذاتية

امتلأ المظفر غضباً ، وتوجه لمكتب السيدة ، فوجده مُغلقاً
توجه لمكتب يوحنا ومكتب عوفرا وجدهما مغلقان الآخران

والبيان الذي علقوه كانوا قد أشاروا الى عدم تدخل أي أحدٍ في الموضوع
وأنهم قد اتخذوا قرارهم ولا سبيل لأي نقاشٍ أو جدالٍ من أحد
اِضافةً الى أنهم كانوا قد أغلقوا لوحة الاعلانات بمفاتيحٍ جديدةٍ
غير تلك التي بحوزة المظفر نسخة منها
( أي تمَّ تجديدها واستبدالها )

حاول المظفر مخاطبة السيدة بأكثر من طريقة إلاّ أنها أوصدت في وجهه كلَّ السُبل


حاول أن يوصل صوته بأيةِ طريقة لهم ، فإذ بـ عوفرا يوجه له رسالة تحذيرية وبلهجةٍ تهديدية
فأرسل له المظفر قائلاً :أين أنت ، هل تُهددني أنت يا عوفرا ؟!!
حاول وحاول وحاول المظفر الوصول للسيدة لكن محاولاته باءت بالفشل
جرّاء ما اتخذوه من اجراءات بحق المظفر واغلاق كافة الأبواب والطرق أمامه

وكأنهم أو بالأحرى كل الدلائل أشارت إلى هدفهم من ذلك وهو قمع المظفر
ومعه محبيه ومؤازريه.
لم يجد وسيلةً سوى كتابة خطاب شديد اللهجة موجه للسيدة بشلكلٍ مباشرٍ
ووضع خطابه هذا
على واجهة لوحة الاعلانات كي يراه ويقرؤه الجميع
وليون الجميع على بيّنَّةٍ من الأمر بكلّ تفاصيله

ولكن سرعان ما وصل أمر هذا الخطاب للسيدة ، فأمرت باِزالته وتمزيقه فوراً
وارسلت للمظفر رسالةً قالت فيها ::
يا مظفر ها أنا عندك إن شئت أن تشتمني
أو تسبني أو تفعل بي ما تشاء
لكن دع هذا يكون بيني وبينك ، وليس على لائحة لوحة الاعلانات على الملأ كما فعلت

زاده هذا الخطاب من حنق وغضب المظفر ، فكيف ترسل له هذا وهي تعلم أنها
وهُم قد أغلقوا أمامه كل الطرق وكل الأبواب ، وهي تدري وتعلم بذلك
فوجه رسالة اليها رداً ::
قولي لي أنتِ هل أنتِ اِنسانة حقاً أم مسخاً بهيئة اُنثى

أو أنكِ تدعي الأنوثة، وأيّ أُنوثةٍ شيطانيةٍ التي تتلبسك هذه
كيف تطلبين مني هذا وأنتِ تعلمين ما فعلتِه أنتِ وحاشيتك ؟!
كيف تريديني أن اخاطبك وأنتِ التي اغلقت أمامي وبوجهي كل السُبل ؟!
كيف تقولين دع الأمر بيننا ، وأنتِ التي جعلتِ الأمور كلها ضدي ومُعلنةً على الملأ ؟!
أنتِ أسوأ ما عرفت حقاً في حياتي يا سيدتهم الخادمة
لم يعد باستطاعة المظفر فعل أي شئ في ذلك الوقت ، فلملم كل ما له في القصر
وغادر القصر وهو مكتظٌ بغضبٍ جامح وهائج

بعد أن غادر المظفر القصر ، قام بالاتصال به عوفراهاتفياً إذ قال له :
يا مظفر ما الذي فعلته ، والله كنت أنظر اليك على أنك نبي
فقال المظفر :: نبي !!! أنا لستُ بنبيٍّ يا عوفرا، لكن ما فعلتوه هناك
أنتَ وسيدتك ويوحنا شيطاني بَخْس يتعوذ منه الـ دَنَسْ

عوفرا : هدئ من روعك يا رجل ، هذه الأمور تحدث في معظم ميادين
العمل لا سيما
العمل في مجالنا هذا ، زهذا يحدث في القصور في القصور الأخرى

( قال هذا عوفرا وضحكته مسموعة باذن المظفر )
المظفر : نعم يحق لك أن تضحك ، فهذا الذي أردته أنت منذ زمن
فلتهنأ بقصرك وسيدتك الشمطاء ، وأقفل الخط .


لم يهدأ المظفر ولم تهدأ ثورة غضبه حاول الاتصال بالسيدة ولم يستطع
فلم تكن تُجيب على أيٍّ من اتصالاته ، فما كان منه الا أنه سجل لها رسالةً صوتية
وارسلها في بريد هاتفها الصوتي ، وكانت رسالته شديدة اللهجة
بل تجاوزت الشدة بدرجات

فعل هذا المظفر كي يُثير فيها فضولاً أو غضباً كي ترد على اتصالاته
إلاّ أنها كانت كنعامةٍ ،
ولم تستطع أن ترفع رأسها من الرمل والوحل
اللذان ألقت برأسها فيه ، و
لم تكن على مقدرةٍ على مواجهة المظفر
بعد الذي حصل منها والذي فعلته معه.

...
في هذه الأثناء ظهر العديد من محبي المظفر ، وكلهم عرفوا أن كل ما حدث هو كله
مُلفقٌ ولا أساس له من الصحة ، فكيف لهم تصديق أقوالهم
وهم الذين عاشروا
المظفر وعرفوه عن قُرب أكثر منهم ، وهو الذي كان
يمُّدُّ يَدَ العون والمساعدة لهم جميعاً دون استثناء
ودون انتظارٍ منه لمقابل

...
حاولت احدى موظفات القصر التواصل مع المظفر كي تفهم حقيقة ما حصل فعلاً
فهم جَعلوا جميع مَن في القصر مغيبين عن الحقيقة ، خاصةً وأنهم طلبوا من الجميع
بصيغة الأمر عدم تدخل أيِّ كان في هذا الأمر
تواصلت معه هذه السيدة وهي من اللواتي كا ن يحترمهن ويقدرهن المظفر عظيم تقدير واحترام
وكان دوماً يسميها الرّصينة لما يرى فيها وبعملها رصانةٍ من كل النواحي
فسرد لها المظفر كل الحكاية ، وكل ما قيل وكل ما قاله هو


فما كان من الرصينة سوى أنها توجهت لمكتب السيدة وقالت لها :
يا سيدتي ألا تري أن المظفر قد ترك فراغاً كبيراً في القصر ، وإني لا أرى
أن أحداً يستطيع ملئ هذا الفراغ الذي تركه المظفر .
فيا سيدتي أنا حقيقةً تواصلت مع المظفر ، وفهمت منه كل القصة بحذافيرها

وأظن بل أجزم ان المظفر كان صادقاً بكل ما قاله لي
وأنتِ تعرفي مدى صدق ومصداقية المظفر ، وإني أرى أن كل الأمر
صار فيه اِلتباس وسوء فهم من الجميع ، وعلى الرغم من ان ما قام
به المظفر هو خاطئ ومُخالف لقوانين القصر إلا أن هذا لا يعطيكم
الحق بأن تتخذوا كل هذا بحقه ، وأظنك أنك أكثر مني مقتنعةٌ بناهة المظفر
وهو بعيدٌ كل البُعد عن كل الكلام الذي كتبتموه في قراراكم أو بيانكم
والجميع يعرف ويشهد للمظفر بذلك على مدار سنوات من العمل معه.

فقالت السيدة : نعم المظفر صادق جداً ، ولا أدري ما الذي حصل
والذي حصل
حصل بسرعةٍ كبيرةٍ ولم أكن أتوقع كل هذا
ولم أتوقع كل هذه الثورة من المظفر ، فما الذي تشيرين عليَّ به غاليتي ؟

الرصينة : صدقاً والله لقد أتعبني المظفر كثيراً حتى استطعت
أن أُثنيه عن رفضه العودة للقصر ، وموافقته كانت بشقِّ الأنفس
ولعلي ضغطت عليه أكثر مما يجب لدرجة أني شعرت أنه وافق
خجلاً مني

وبعد كل هذا العناء الكبير وافق ، لكنه اشترط شرطاً لذلك
وأظن أنه مُحقٌّ بشرطه

السيدة : وما هو شرط للمظفر ؟
الرصينة:: شرطه هو عودته بمنصبه الذي كان عليه
وقبل هذا بيان اِعتذار له يُعلق
على لوحة الاعلانات
موقعٌ منكِ أنتِ وعوفرا ويوحنا

السيدة : أنا موافقة ، فهذا حق للمظفر علينا جميعاً
وأعدك أن هذا سيكون قريباً

الرصينة : شكراً سيدتي ، كنت أعلم أن قلبك كبير ، وعقلك أكبر
وأنك ستتفهمين الأمر ، ولا نريد أن يغيب عنا المظفر أكثر من هذا.


غادرت الرصينة وهي سعيدة بما سمعته من السيدة
وتلك الموافقة منها على طلب وشرط المظفر

فاتصلت الرصينة بالمظفر قائلةً ::
مبروك يا مظفر ستعود للقصر ونفرح بك ونسعد

المظفر : ما الذي حصل ، دعيني أفهم أولاً أرجوكِ ما الذي حدث بين وبينها؟
الرصينة: كل الذي حصل هو إن شاءالله لخيرك ، فقد أبلغت السيدة
عن شرطك للعودة ووافقت ووعدتني بذلك

المظفر : لا أريد أن أكون مُحبِطاً لعزائمك ، لكن سأقول لكِ شيئاً
لا تأملي كثيراً بأقوال
ووعود هذه ( العمة )
(( العمة هنا لقبٌ أطلقه المظفر على السيدة ، وهذا اللقب كانت تُنادى به

الصهيونية اليهودية " جولدمائير " رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي السابقة))
الرصينة: لا يا مظفر ، لا أعتقد أنها تخذلني ، وكذلك لا أعتقد أنها
ستخلف وعدها معي التي وعدته لي !

المظفر : أفلحت إن صدقت يا الـ رصينة ، وبارك الله بكِ ، وإن شاءالله خيراً
وأتمنى ومن كل قلبي أن أكون مخطئاً بحق العمة ( السيدة )
الفتاة : حسناً ، سأنتظر ردها ، واعلمك به فور حصولي عليه

المظفر : شكرا لكِ وفي أمان الله
....
أغلق المظفر الهاتف مع الفتاة ، وعاد لمزاولة عمله في قصر
السيد ( مُلهم )

فهو أيضاً ليس بخالٍ من العمل ، والسيد مُلهم يكنُّ كل احترام وحب
والسيد مُلهم كان بطريقةٍ ما قد علِم بشأن المظفر وما حصل معه
في قصر السيدة ، إلاّ أنه
احتراماً لمشاعر المظفر لم يشأ أن يحادثه
في الموضوع ولا حتى الاستفسار عنه

...
وبعد عدة أيام عادت الرصينة للإتصال بالمظفر ، وكان صوتها مخنوقاً
أو به خجل انثوي
من المظفر ، وبما ستنقله من خبرٍ للمظفر
فقال المظفر :: اهلاً وسهلاً بالرصينة ، تفضلي
الفتاة : لا أدري ما أقول لك يا مظفر ، فكل تكهناتك صائبة
وهذه العمة أظنها
قد فقدت عقلها وفقدت مصداقيتها أمام الجميع

المظفر ( ضاحكاً ) ::
كنت أعرف الجواب دون أن تخبريني ، وذلك بسبب عدم اتصالك طيلة الأيام الماضية

ولا أظن أن الأمر يستحق كل هذه الأيام لقرارٍ كهذا وهو بيدها هي
وفي أي وقت تشاء ،
وكنت أعلم جيداً كذبها ، وانها ستحنث بوعدها لكِ
الرصينة: هي حقاً أقل ما يمكنني أن اقوله عنها أنها مجنونة وشمطاء
وغير واعيةً عن ما يدور حولها

المظفر : لا عليكِ عزيزتي فأنا حقاً لستُ بمتفاجئ في هذا الأمر
فكوني أنتِ بخير ولا عليكِ منها ومن قصرها .


باءت محاولة الرصينة بالفشل ، واستمر عمل المظفر في قصر مُلهم
وكان قد نسي أمر قصر تلك السيدة الخبيثة طوال اسابيعٍ كثيرة.

ولكن مع كل هذه الأيام الكثيرة التي مرّت جاء للمظفر الكثيرين وتواصلوا معه
في سبيل عودته الى القصر ، إلاّ أنه كان يرفض رفضاً باتاً ، وينهي الحديث معهم

بقوله ( انتهى الأمر ، وأرجو أن لا نعود للحديث في هذا الأمر )

في يومٍ حضر لقصر السيد مُلهم شخص من مُحبي المظفر لزيارته
والمظفر يحترم هذا الشخص كثيراً ويقدره ، وهو
أحد موظفي قصر السيدة
وزيارة هذا الشخص أتت لحبه معرفة ما حصل مع المظفر وقد أحب
أن يسمع من المظفر حقيقة الأمر الذي جرى ، بعدما
كان قد سمع ذلك
من السيدة ومن عوفرا ويوحنا ، لكنه أحب أن يسمع من المظفر

فقال له المظفر : والله إني احترمك يا أخي عزالدين واُقدرك ( وكان هذا اسم الشخص )
وقد انتهيت من هذا الأمر
ولا أريد العودة للحديث به ولا عنه فقد اكتفيت
من ألاعيبهم وكذبهم ونفاقهم .
إلا أن عز الدين ألّحَّ على المظفر بأن يشرح له ما قد حصل منذ البداية
لأن له غايةٌ في ذلك لمصلحة المظفر
من خلال الحديث مع عزالدين شعر المظفر بأن عزالدين قد سمع أشياء كثيرة
وكل ما قد سمعه هو ضده ( أي ضد المظفر ) ،
ففكر قليلاً وقال له : حسناً اليك القصة
وبعد أن اِنتهى المظفر من سرد ما حدث في ذلك اليوم تفاجئ عزالدين
وقال للمظفر : أيعقل أن الأمر هكذا
فرد المظفر مقسما : اُقسم أن هذا هو الذي حصل


بعد كل هذا طلب عزالدين من المظفر أن يمنحه فرصة أخيرة كي يُعيده
الى القصر بكما كان عليه ، وأنه سيكون الى جانبه بعد ما سمع منه الحقيقة
فقال له المظفر : يا أخي عز إن الرصينة حاولت وباءت بالفشل معهم
والعمة كذبت وحنثت معها كما عادتها دائماً
عزالدين
: العمة ؟؟!!
يا مظفر هذه العمة أعرفها أنها اليهودية البخسة جولدمائير

فقال المظفر : نعم صحيح وهذا ما عنيته ، الآن سيدتك في القصر هي عمة هذا العصر
وبعد طول نقاش وتبادل آراء المظفر وعزالدين
أخيراً وافق المظفر على طلب عزالدين، وبنفس شروطه الأولى

وعزالدين طلب من المظفر ، أن يكتب له الصيغة التي يريد بها الاعتذار منهم
وكذلك وصف موجز للحدث الذي صار وقتها ، وهو بدوره سيقدمه للسيدة

ومن بعدها يقوم باِعلانه على لوحة اِعلانات القصر ليراه الجميع
لتبرأ ساحة المظفر من كل ما نسبوه له ظلماً وزوراً وبُهتاناً.


وافق المظفر على طلب عزالدين على أن يقوم بكتابة ما تمَّ في ذلك اليوم
فكتب المظفر الأحداث التي تمت بحذافيرها ، حتى تلك التي كانت لا تصُب في صالحه
وذلك توخياً لأي انتقادٍ منهم ، ولتكون الحقيقة على الملأ بكلّ ما فيها
وققام بعدها المظفر بإرسال ما كتبه لعز الدين ، قرأه عزالدين بتفحصٍ شديد
وهذا ما شعره المظفر ، حين عاد عزالدين للمظفر طالباً منه حذف بعض أشياء
رآها عزالدين من منظوره أنها ربما تسبب إلى اتساع الفجوةِ بين المظفر ويوحنا وعوفرا
وهذا كان حرصاً من عز الدين ، ولا يريده أن يحدث على الأقل في هذه اللحظات
فهو كان مبتغاه صادقاً تجاه المظفر وأراد له أن يعود بشموخه وأن تُعلن برائته
مما نُسبَ اليه من خلال الاعتذار الذي سيتم تعميه على كافة المتواجدين في القصر
ويكون مُصاغاً من ثلاثتهم ( العمة "السيدة" وعوفرا ويوحنا "
وحين طلب عز الدين هذا الحذف لبعض الجُمل من المظفر ، لم يشأ المظفر
أن يُخيّب ظن عزالدين كونه يُكنُّ له احتراماً وتقدياً كبيرين ، فوافق له على طلبه
كانت سعادةٌ تغمر عزالدين حين رأى تجاوب المظفر معه وموافقته على ما طلبه منه

دون تردد ، فسارع الى إعادة كتابة هذا البيان ، وقام بالاتصال بالسيدة
وقال لها :: سيدتي هذا البيان الذي أعده المظفر بين يديَّ الآن ، واريد أن آتيكِ
الى مكتبك لتطلعين عليه قبل أن أقوم بادراجه وتعليقه على لوحة الإعلانات الرئيسية للقصر
فردت عله السيدة قائلة ::لا يا عزالدين لا تأتيني ، ولا تُريني شيئاً ، فأنا
واثقةً تماماً مما يكتبه المظفر وواثقةً أكثر بمصداقيته ومصداقية قوله لأيةِ حقيقة
عز الدين ::إذن على بركة الله سيدتي ، سأقوم بتعليقه في اللوحة بعد قليل
علّق عزالدين البيان على لوحة الإعلانات ، وجعله بمكانٍ ظاهرٍ وبارز ومرئيٍّ للعيان

حتى عن بُعد ، فكان عزالدين يريد أن ينتهي هذا الأمر سريعاً ، كي تكون عودة
المظفر سريعةً هي الأخرى ، ويحاول أن يُنهي كل الإشكالات التي حدثت بينه وبين السيدة
علّق البيان ، وذهب الى مكتبه كي يُمارس ويقوم بعمله اليومي المُعتاد .

يا عزّالدين إن البيان الذي وضعته في اللوحة هناك قد أحدثَ جلبةً ن لكنها جلبةً مُفرحة
فقال عزالدين: ما الذي حصل
الموظف :تعال وانظر ، فاللوحة قد امتلأت قًصاصات من أغلب موظفي القصر
حيث صار بيانك لا يكاد أن يُرى
عزالدين : هذه اخبار مُفحرة بحق ، تعالَ معي لنرى
ذُهلَ عزالدين حين رأى كم القُصاصات التي كانت قد غطت على بيانه فوقف امام
اللوحة وصار يقرأ القصاصات قُصاصة تلو أخرى ، كل القصاصات كان كلها
تصُبُّ بمفهومٍ واحدٍ وهو أن ما حصل من المظفر كان زلةً ، وزلةً حميدة وليست
كما وصفها يوحنا حين أعلن لهم استغنائهم عن خدمات المظفر الإدارية
ولفت إنتباه عزالدين قُصاصةً كانت بلهجتها شديدة ، وموجهة مباشرةً الى
عوفرا ووصلت الى حدِّ الذم والقدح واصفةً له بأنه رغم يهوديته فهو تفوق
على أبناء جلدته مكراً وخُبثاً وصل به الى حدِّ الدّنس
تفاجأ عزالدين بهذا الكلام والصادر من فتاةٍ عاملةٍ في القصر ، وكأنه حينها شعر
أن هناك صلةٍ أو علاقةٍ بينها وبين المظفر ن فذهب الى مكتبه واتصل بالمظفر
وقال له :يا مظفر هل تعرف الفتاة التي اسمها" رهف "
المظفر : نعم أعرفها حق المعرفة ،فهذه الفتاة هي بمثابة إبنة لي وعلى هذا الأساس
أعاملها وتعاملني ، فما بها يا عزالدين ؟
عزالدين :لقد كتبت قُصاصةٌ ، والكلام المكتوب شديد جداً ، وهذا ربما سيؤثر
على مجريات ما نعمل لأجله ، وأنا لا أريد أي مشكلة تتولد من جديد
المظفر : يا عزالدين ، لقد وصلني صورة من كل تلك القصاصات التي كتبها كل
موظفي القصر ، وقد رأيت ما كتبته رهف بقصاصتها
عزالدين :: أأنت راضٍ عن ما كتبت ؟
المظفر : بغض النظر إن كنت راضٍ أم لا ، فهي قد كتبت رأيها ووجهة نظرها
هل ترى أن في ذلك ضيراً يا عز الدين ؟
عزالدين : طبعاً يا مظفر ، وأظنك أكثر وأكبر مني حنكةًوتفهماً في هكذا الأمور
فالمسعى كان من البداية هدفه الإصلاح ثم عودتك ، أليست هذه هي الحقيقة
والتي أنا وأنت متفقين عليها ؟!
المظفر: نعم صحيح ، وكلامك صحيح ، لكن ما الذي تريدني أن أقوم به تجاه هذا
عزالدين : فقط أرجوك إن تستطيع الاتصال بها ، وثنيها عن ما كتبته أو أنها
تذهب لـ اللوحة وتُزيل قصاصتها تلك ، أرجوك يا مظفر
المظفر :: لا عليك يا عزالدين ، فابقَ معي ، وسأتصل بها الآن وأنت معي هنا
عزالدين :: أنا معك وبانتظارك
المظفر : ألو ، رهف ، كيف أنت هذا أنا مظفرمعك
رهف : أهلاً أبتِ ، وهل تنسى الفتاة صوت أبيها
المظفر : حسناً بُنيَّتي ، لكن ما الذي كتبتيه علي لوحة الإعلانات في تلك القُصاصة
رهف : هل وصلتك يا أبتِ
المظفر : نعم وصلتني ، وقرأتها ، لكن هذا الكلام الذي كُتبَ بها ليس بوقته ولا حينه
رهف :: أليس ما كتبته أبتِ هو الحقيقة بعينها ، والتي يعلمها الجميع ويعرفهونها حق المعرفة
المظفر : نعم يا رهف ن لكن كما قلت لكِ ليس هذا بالوقت المناسب لقول مثل هذا
رهف :: حاضر أبتِ ، ما الذي تأمرني به ، فأنا رهن اشارتك وارشاداتك
المظفر : عفوا اِبنتي ، فقط أريدك الآن أن تذهبي لـ لوحة الاعلانات
وتُزيلي تلك القصاصة وتمزقيها وكاأنها لم تكن ، أرجوكِ بُنيتي
رهف :: حاضر أبتِ ، ها أنا أكلمك ، ومتجهةٌ الى لوحة الإعلانات ، وها أنا قد وصلت
اللوحة وأزلت قصاصتي ، وها أنا والله أمزقها
المظفر :: بارك الله بكِ بُنيتي الغالية ، وكم أنا سعيدٌ بكِ ، أراكِ على خير
عاد المظفر لمكالمته المعلقة مع عزالدين وقال : ألو ، عزالدين هل لا لت معي ؟
عزالدين : نعم معك يا مظفر ،
المظفر : ما أردته يا عزالدين قد تم ، وقد أزيحت تلك القُصاصة وتم تمزقيها الآن
عزالدين : شكراً لك أيها الغالي ، قد أثلجت صدري
المظفر : بل أنا الشاكر لك ، لهذا الاهتمام وهذا العمل الطيب الذي تقوم به
واتمنى من الله ان يتم تقديرك على هذه الجهود لديهم هناك

في هذه الأثناء ، الثلاثة اؤلئك مصابون بالذهول والمفاجأة الصادمة لهم
على ما رأوه من آراء من كافة أو معظم موظفي القصر ، والتي كانت كلها
لصالح المظفر ، فلم يكونوا متوقعين هذه النتيجة ، فكانت توقعاتهم أن الجميع
سيقوم بتأنيب وتذنيب المظفر ، لكن الصورة جاءت مخالفة لما توقعوه
فالجميع أنبَّهم على فعلوه مع المظفر وذنبَّهم وطلبوا منهم أن يعتذروا للمظفر
وأن يعود المظفر كمان كان عليه وأكثر مما كان عليه من منصب
هذه النتيجة لم تُعجب عوفرا على وجه الخصوص ، وكذلك يوحنا ، والسيدة
لم تظهر لها صورة في هذا الموضوع ولا أي صوتٍ يُذكر ، فالتزمت الصمت
والاختباء كما عادتها دوماً والهروب من الحقيقة حين تكون في غير صالحها
وفي هذا الوقت ، وهذه الفترة من لحظة مغادرة المظفر للقصر ولغاية حظة هذا البيان
كان عوفرا بخبثه ودهائه ومكره كان قد استحوذ على فكر وتفكير السيدة
السيدة التي منحته كل صلاحياتها في القصر ، وبموجب هذه الصلاحيات
كتب مذكرة رداً على بيان عزالدين ، ولم يتطرق فيها لصلب الموضوع الذي
جاء به البيان ، بل اقتصر على كلمات شكر واطراء وثناء على ما قام به عزالدين
وكأن كل فحوى البيان لم تهمه بشئ ولا كانت عنده بذي بال ، وبعدها أمر
بتنظيف كل لوحة الاعلانات ، واِزالة كل ما عليها من بيانات وقُصاصات ووضعها
في مكب أرشيف القصر
فصار بيان عزالدين كأنه ذرة غبار أخذتها الريّاح الى حيث المجهول
وجميع آل القصر ذُهلوا لما رأووه ،وما تم عمله من إزالةٍ لآرائهم حول موضوع المظفر
وكأن آرائهم لا تعني شيئاً لإداريي القصر ، ومن خلال هذا علموا وتيقنوا أن
هناك أشياء تحدث في كواليس القصر لا تصب الا بمصلحة عوفرا ويوحنا
والجميع صار ينظر للسيدة على أنها دُمية يتم التلاعب بها
من قِبل عوفرا من ناحية ومن قبل يوحنا من ناحيةٍ اخرى

النتيجة أصبحت ظاهرةً جليةً أمام عزالدين ، والذي لم يستطع تفسير ما حدث
حاول مخاطبة السيدة ، تهربت منه ذي بدء ، ثم أجابته بجوابٍ كان صادماً له
وقالت له : يا عزالدين ، يستطيع المظفر العودة للعمل في القصر لكن كموظفٍ عادي
وإن شاءالله بعد فترةٍ من الزمن نُعيده كما كان
عزالدين ذُهلَ / صُدمَ لم يعرف كيف يُجيب سيدة القصر هذه ، وهذا التخلي
عن كل ما قالته له سابقاً ، والعدول عن كل ما وعدت به ، ليصح كل الكلام
على النقيض الذي تم الاتفاق عليه بينه وبينها في بادئ الأمر
فعاد للإتصال بالمظفر بعد يومين يعتذر له عن تأخيره في محادثته واطلاعه على
مجريات الأمور في القصر بخصوص موضوعه فقال له المظفر ::
تأخيرك يا عزيزي عرفت منه الجواب دون أن تقول شيئاً ، فلا حاجةَ لك
بالقول او التبرير ، فأنا قلت لك سابقاً طبيعة هذه الانسانة المتناقضة في كل
شئ حتى متناقضة مع نفسها ، فكيف تريد أن تكون صادقةً معك وتفي وعدهالك
عزالدين ::هذا ما أذهلني وصدمني ، والأهم من هذا يا أخي مظفر أنهم أصدروا بياناً
بترقيتي ، وأصبحت معهم مع طاقم ادارة القصر ، مع إني لا أحب كل هذه المناصب
المظفر " ضاحكاً " : شئ متوقع منهم هذا ، حتى فيما يُسكتوك ولا تعود للأمر من أيةِ زاوية

عزالدين : نعم كلامك صحيح ن وهذا أنا ما شعرته وأحستت به ، فطيلة الوقت
أنا كنت أمامهم ، فلماذا اليوم ضموني للإدارة ، شئ فعلاً مُخجل ومُخزي ما يقومون به
المظفر : أنا أنصحك أخي عزالدين بأن تبقى معهم في الإدارة ، فمن خلال هذا
المنصب الذي منحوك إياه ستكتشف بنفسك مدى وقاحتهم ودنائتهم وخبثهم
عزالدين : لا أدري حقاً هل سأستمر معهم في العمل أم لا ، فقد بتُّ من يومين
آتي للقصر على مضضٍ من نفسي ، وأشعر بش من الغثيان حين دخولي قصرهم
المظفر :: اِبقَ اِبقَ يا عزيزي ، واكتشف أولاً ثم قرّر ، فلا تتعجل بقرارك ولا تستبق الحداث
أعطِ نفسك قليلاً من الوقت كي يكون قرارك أكثر حكمة ، اكتشفهم أولاً
فلعل نظريتي أنا تكون خاطئة
عزالدين :: على الله الإتكال ، سأفكر في الأمر ، ألقاكَ على خير أخي مظفر في امان الله
مرَّ بعض الوقت ، وفي خلال هذا الوقت اكتشف المظفر أشياءً مُريبة على كلٍّ من
عوفرا ويوحنا وبمعاونة ومساعدة عاشقة عوفرا " ياعيل " ، وبالدليل القاطع ،
وليس مجرد اكتشاف عابرٍ أو مجرد اِتهامٍ من أحدهم .

(( عودةٌ بسيطةٌ لعزالدين ))

تسلّم عزالدين منصبه الإداري ، لكنه بقي عاملاً كما هو معتادٌ له العمل
فلم يكن بذي بالٍ عن ما يجري داخل دهاليز الإدارة والتي بمجملها لم تكن
تعجبه في حقيقة الأمر ، إلا أنهم أقحموه بالإدارة لأسبابٍ عرفناها فيما سبق
من أحداث ، فصار كل يومٍ يكتشف حجم ألاعيبهم التي يلعبونها على كافة
موظفي القصر وكان همهم فقط من هو مُوالٍ وطائع لهم وذلك عن طريق
استقطابهم بترقيةٍ منهم لمن هم يريدونه ويرون فيه أنه سيكون مُسانداً لهم
وموقعاً لهم على أيِّ قرارٍ يتخذوه .
فاض الكيل بعزِّالدين من كثرة ما رآه واكتشفه من تلك الألاعيب والتي يمقتها مقتاً
فما كان منه سوى أن قدّم استقالته لهم من منبه الإداري الذي منحوه إياه
وكانت تلك الإستقالة كأنها مُنتظرة من عوفرا وسرعان ما وافق له عليها ودون
أن يسأله عن السبب ، فقد كان يرى عوفرا بعزالدين الانسان المُعارض لهم
لذلك لم يتوانى عن الموافقة على طلب عزّالدين.
وما هي إلاّ أيامٍ قليلةٍ بعذ ذلك ، حتى غادر عزّالدين القصر دون أن يُخبر أحداً
بمغادرته وتركه القصر والعمل فيه ، فقد غادر بقرارٍ اتخذه بينه وبين نفسه
فغادرهم وقصرهم دون رجعة .

فترةٍ وجيزةٍ ،تم توظيف أحد أصدقاء المُظفر القُدامى
من الذين يحترمهم المظفر ويُقدرهم وهو يُبادله نفس المشاعر والشعور .
هذا الصديق هو ( النديم ) تم توظيفه في القصر وبفترةٍ وجيزةٍ استطاع النديم
أن يتبوأ في القصر منصباً إدارياً صغيراً إلاّ أنه كان منصباً فاعلاً
فقد كان يعرف النديم بأن المظفر هو أحد أركان القصر ، فصار يبحث عن المظفر
فسمع من البعض بعض حكايات عن ما حصل مع المظفر في القصر ، وقد فاجئهُ ما سمعه
فهو يعرف المظفر حق المعرفة ، وما سمعه من أتباع عوفرا ويوحنا والعمة لم يقتنع به
صار عند النديم فضولٌ حدَّ الجشع لأن يعرف حقيقة الأمر ، فصار يبحث عن
مَن يدلّه ويرشده وعن أية وسيلة إتصال مع المظفر ، إلى أن فصادف مُخلصة المظفر ( رهف ) ،
سمع منها ما جرى هناك في القصر / وما حاكوه ضد المظفر ، ولكن
النديم بقي مُصراً على أن يلتقي المظفر
ويسمع منه كل الحكاية التي صارت ، فقد امتعضت نفسه حدّ الغثيان مما
سمعه عن ما جرى للمظفر من عوفرا وعمته ويوحنا ،فأراد الإلتقاء بالمظفر
من أجل أن يسمع مهه ويُعيده بكلِّ هيبته وشموخه للقصر حتى لو كانت تلك
العودة مجرد لحظات ويخرج المظفر بعدها حيث يشاء

أخيراً اِلتقى النديم بالمظفر عبر اِحدى قنوات الإتصال ، وكانت سعادة غامرة
لكليهما ذلك اللقاء
وكأنهما كانا ينتظران هذا اللقاء منذ عقدٍ من الزمان ، فظهرت تعابير الفرح
في نبراتهما ، وبعد إن اطمأن كلٍّ منهما على الآخر بادر النديم بسؤال المظفر وقال:
أما علمت يا مظفر ، أني الآن أعمل في قصر السيدة ؟
المظفر : بلى علمت وفرحت لك وكنت حقيقة أبحث عن أيةِ وسيلة للإتصال بك
النديم : إذن القلوب عند بعضها يا أخي
المظفر : نِعم الأخ والصديق أنت ، كيف تسير أمورك هناك في القصر ؟
النديم : أموري ليست مهمة يا مظفر بقدر ما يهمني الآن أن أعرف وأسمع منك
ما الذي حدث هناك حتى أخرجوك من القصر بهذا الأسلوب المُشين ؟
المظفر : هذه حكاية كدت انساها ن فلا عليك منها ، المهم أن تبقى أنت هناك
حذراً في تعاملك معهم.
النديم : لا تخف عليَّ أيها الغالي ، لكن أريد أن أسمع منك أرجوك حدثني بالذي حصل
وحدثني بالتفصيل المُمل كي أكون على بينة بكلِّ الأحداث التي جرت حينها
فأنا ما يهمني هو أنت ، وسأكون معك والى جانبك حتى تظهر الحقيقة أمام
الجميع هناك ، وتُكشف مؤامرتهم الخاسئة
المظفر : إذن أنت آتٍ من أجل هذا الموضوع
النديم : صدقاً نعم ، فهذا الموضوع والله يؤرقني ، أرجوك قل وتحدث
المظفر : حسناً ، إليك القصة يا صديقي

قال المظفر للنديم كل الحكاية بحذافيرها التي جرت هناك في القصر ،
وكيف تصرفوا معه وكيف هو تصرف معهم ،
هالَه ما سمع من المظفر ، إلاّ أنه زاد عزماً واصراراً على تبرئة ساحة المظفر
وكشفهم على حقيقتهم ، وقال للمظفر كثيراً من أشياء اكتشفها عنهم رغم قصِر
الفترة التي تواجد فيها فيي القصر ، وهذه الأشياء هي موثقة عنده ، وكانت كلها
أشياء رخيصة ولا تمت للأخلاق بأيةِ صلة ، فقد روى له عن تلاعبهم في مشاعر
فتيات القصر وكيف يستقطبوهن اليهم بأساليب بخسةِ خسيسة ، ومصلحتهم
في ذلك هو إرضاء شهواتهم ومن ثم رمي الفتاة واستقطاب أخرى جديدة
وكل هذا بيَّنه النديم للمظفر بالوثاق التي اكتشفها ، فكانت هذه بالنسبة للمظفر
أعظم هدية أهداه اياها النديم ،، وفي نهاية حديثهما وعد النديم المظفر
بأنه سوف يُعيده للقصر وبواسطة سيدة القصر والتي أصبحت علاقته بها
قريبة ووثيقة الى حدٍّ ما
احتفظ المظفر بما اهداهُ اياها النديم من معلومات موثقة ، وفكرَّ كيف سيتم
إيصال هذه المعلومات للسيدة ، وكان بتفكير المظفر بعض من خوفٍ على ما ستؤول
اليه حال السيدة من جرّاء تلاعبهم من خلفها ، ومن ثم هي ورقةٌ بيده كي يقدمها
دليلاً قاطعاً للسيدة يكشف بها للسيدة مدة خساستهم ودنسهم .
عَبرَ المظفر في ليلةٍ الى القصر وكان الجميع فيه نياماً ، فلم يلحظه أحد هناك
ودخل الى مكتب السيدة وجلس على كرسيها ، وكتب لها كل ما تم اكتشافه تاركاً
مع ما كتبه صوراً من الدلائل التي تكشفهم ببينةٍ لا يمكن نقضها أو انكارها
ومما كتبه المظفر للسيدة أنه قال لها في جملةٍ من جُمله :
((( ستستفيقي ذات يومٍ من نومكِ وستجدي قصرك هذا مجرد أطلال محطمة ومدمرة
ولن تسطيعي حينها فعل أيِّ شئ ، لأنكِ ستكونين الوحيدة الموجودة
فوق رُكام قصرك ، فـ اصحِ من غفلتك وسُباتك أيتها الملكة )))
ترك المظفر رسالته هذه فوق طاولة مكتب السيدة لتراه حال نزولها لمكتبها
في صبيحة اليوم الثاني ، فذُهلت حين رأت خط المظفر على مكتبها ، وارسلت
لعوفرا ويوحنا وسألتهما من الذي أتى بهذا الخطاب الى مكتبي ،- وهي كانت قد
أخفت الدلائل التي تركها لها المظفر -
فلم يعرفا ما يجيبان به ، فطلبت منههما تعزيز حراسة القصر تعزيزاً بأقصى درجاته
فقد اعتبرت ما كتبه المظفر لها هو تهديدٌ لها ولقصرها ، وأنه هو الذي
سيدمر لها القصر ، مع أن ما كان بقصد المظفر خلافاً لما فكرت به العمة
ولكن لأنها تتحلى بخبث وسوء نوايا، فهي لا تفكر إلا بسوء نيّةٍ تجاه الآخرين
فكيف لها أن تفكر بكلام المظفر على أنه تحذير لها ممن هم حولها ، فلم
تستوعب معنى الكلام ، بل أخذته على محمل السوء والشر كما هي نفسها وروحها الشريرة
في هذا اليوم مرَّ المظفر حول القصر من الخارج ، ورأى تلك التعزيزات التي
قاموا بها ، فابتسم باستهزاء ، وفي نفسه قال : كم هي غبية !!
وهذا الاستهزاء كتبه المظفر على قصاصة ورق معه ، وهو جالس في سيارته
(( كم أنت غبية ، دمارك من الداخل ، المظفر إذا أراد سيكون امام عينيكِ
وليس طعناً من الخلف ولا في الظهر كما تفعلين ))
أرسل المظفر هذه القُصاصة مع أحد المارين في الشارع أمام القصر ورجاه طالباً منه
أن يوصل قصاصته التي وضعها في مغلف ورقي لرجل أمن البوابة الرئيسية
للقصر ، ويقول له هذه رسالة لسيدتك فأرجو منك أن توصلها للسيدة
وتم ذلك ووصلت القصاصة للسيدة ، وحين قرأتها ضربت بكفها على جبينها
وتمتمت قالة (( يا الله كم أنا فعلاص غبية ، كيف أظن بالمظفر كل هذا السوء !!))

ابتدأ عمل النديم ، واجتمع بالسيدة ، وناقش معها بعض الأمور قبل أن
يتعرض لموضوع المظفر ، وفجأها حين سألها : يا سيدتي كيف تفعلون هذا بالمظفر ؟
السيدة :وهل تعرف المظفر أنتَ يا النديم ؟
النديم :المظفر من الأصدقاء الذين اعتز بهم وبمعرفتهم وافتخر ، ومَن لا يعرف المظفر سيدتي !!
السيدة :لقد تعبت والله يا نديم من موضوع المظفر ، وكم أنا نادمة عليه
فقد خسرت أجلّ انسان عندي ، ولا أدري كيف تطورت الأمور بكل هذه السرعة
النديم :تطورت فعلاً وبسرعة البرق ، لكن لم تتطور الأمور من تلقاء نفسها
بل هي يا سيدتي بفعل فاعل ، أو بالأحرى أكثر من فاعل
السيدة :وهذا الذي يؤرقني كثيراً ، لأني أعرف مَن فعل كل هذا يا نديم
وأرجوك أن يبقى هذا الكلام بيننا ، على الأقل هذه الفترة ، لكن قل لي
هل أنت رأيت أو تحدثت للمظفر ؟
النديم :نعم ، حدثته ، وسمعته وقال لي كل ما جرى في هذا القصر وما حاكوه له
وأنتِ التي ساعدتِهم جميعاً على هزم المظفر
السيدة : إذن قل لي فقط كيف هو المظفر ، وكيف هي صحته وأموره الأخرى
طمئني عن المظفر أولاً أرجوك ، فقد سمعت أنه كان يرقد في المستشفى مؤخراً ؟
(( استغرب النديم من سؤال السيدة وبهذا الشغف المحسوس والمرئي على ملامحها
فاستشف من ذلك انها تحب المظفر حباً جماً ، لكن هناك مَن يتلاعب بها وبمشاعرها
تجاه المظفر مما يجعلها تنفر من المظفر ))
النديم : إنه بخير ، وصحته تمام التمام ،وقد أجرى عملية وتكللت بحمدالله بالنجاح
لكن قولي لي أراك مهتمة بالمظفر بأكثر مما يجب ؟
السيدة : لا عليك يا نديم ن المظفر شئ غالي جداً عندي
النديم : إذن ما الحائل من عودة المظفر لما كان عليه بالقصر
السيدة : هل كلمت المظفر أنت بهذا الخصوص
النديم : نعم كلمته وبعد جهد جهيد ووافق ضمن شروط كان قد قالها
لكِ من قبل من خلال أحدهم
السيدة : نعم صحيح اعرف شروط المظفر ، وهي حقه ، وأنا موافقة عليها
النديم : هذه بادرة جميلة جداً منكِ بهذه الموافقة ، وأنا ساكون سعيد أكثر
إن عاد المظفر للقصر وعملنا سوياً ، كما عملنا سابقاً أنا وهو
السيدة : حسنا يا النديم ، قم بما عليك القيام به ، وأنا موافقة ، فأنا
ساسافر اليوم لبعض الوقت وسأقوم بالترتيبات التي تقوم بها حين عودتي
النديم : حسناً ، طرق السلامة وسفرٌ ميمون ، وإن شاءالله تعودي لنا بالسلامة

في هذه الفترة وما بين هذا الحديث بين السيدة وبين النديم ، كان التواصل بينهما قائمٌ يومياً
أو شبه يومي ، فقد طلبت السيدة من السيدة أن يقدم لها خدمة لا يستطيع غيره
تقديمها لها في هذا الوقت ، فما كان من النديم إلاّ أنه أبدى كامل استعداده
لتلبية رغبة وطلب السيدة

لا تزال الإتصالات والتواصل بين المظفر والنديم ، وبين النديم والسيدة ، النديم أخبر المظفر
بكل ما تم بينه وبين السيدة ، وما طلبته منه ، ووعدها
النديم بتلبية طلبها
والعمل على اتمامه ، في حين أن المظفر حذَّر النديم من
مغبة وقوعه في خُبث وأكاذيب السيدة
إلاّ أن النديم أكدَّ للمظفر أنه يعلم ويعي تماماً ما يقوم به ، وأنه على ثقة
بأن السيدة لن تخذله ، ولن تستطيع التلاعب
معه بشئ .
..
المظفر لا زال قائماً على عمله في قصر مُلهم ، إلاّ أنه أحسَّ بتغييرات المُلهم،
والذي لم تكن ظاهرةً
ظهوراً تاماً للمظفر إلاّ أن حدسه كان يقول له أن ما يقوله له مُلهم بعكس
ما يفعله فلم يعد كسابق عهده معه من حيث
استشارته بأمور أو قرارات القصر
كما كان معه في السابق ، فقد كان المظفر يعلم تمام العلم ماهية ثقافة السيد مُلهم
الثقافية فلم تكن بتلك الدرجة التي من الممكن أن تؤخذ بعين الإعتبار
.
وبالرغم من ترتيب المظفر لكلِّ أنحاء القصر من ألفِهِ إلى يائِه ، وبالرغم من تغطية المظفر
على كل أخطاء السيد مُلهم التي كان يخطؤها مع موظفي القصر ويقسو
عليهم بالكلام السئ والمُشين أحياناً عدى عن التهديد والوعيد ، ومن ثم
كان يعود
ثانيةً للمظفر ليطلب منه اصلاح من قام به من خطأ تجاه أحدهم .
,,
من هنا كان لا بد للمظفر أن يكون حذراً مع السيد مُلهم وبخاصةٍ أنه قد عرفه
أكثر مع مرور الأيام ومن خلال قُربه منه،وعرف مدى تقلباته ومزاجيته في التعامل
مع الآخرين ، لذا ارتآى المظفر أن يكون لديه بديل قصر السيد مُلهم
لأنه لم تعد
في نفسه الثقة بالسيد مُلهم والتي كانت لديه ثقة مطلقة بهذا السيد فقد عمل المظفر
بأكثر من قصر بدوامٍ جزئي أو شبه جزئي حتى يبقى حافظاً
لنفسه خط
الرجعة
فيما إذا آلت الأمور بينه وبين السيد مُلهم كما آلت بينه وبين السيدة من قبل
ومع كل ذلك فقد ظلَّ المظفر صادقاً مع نفسه ومع
السيد مُلهم ولم يكن يُخفي عليه
عمله في القصور الأخرى تجنباً لأيةِ ملامةٍ من مُلهم أو سوء ظنٍّ فيما بعد
وبالرغم من تأكيد السيد مُلهم للمظفر بأكثر من مرّةٍ
أن يعتبر القصر كأنه
قصره ولديه مُطلق الصلاحية بعمل ما يراه مناسباً وحتى
دون الرجوع اليه
إلاّ أن المظفر كان حدسه قوياً بمثل هكذا أقوال ، فلم يكن ليقوم بعمل أيِّ شئ
قبل أن يرجع في ذلك للسيد مُلهم ويأخذ منه الموافقة أو عدمها تحسباً لأيِّ فهمٍ خاطئ.


اتصل النديم بالمظفر وكاد يُبارك له أو يهنئه بأن السيدة وافقت على عودته لقصرها وضمن شروطه
إلاّ أن المظفر لم يأخذ بكلام النديم محمل الجد رغم تأكيد النديم له بأنها ستقوم بذلك
ولعلم المظفر من خلال تجاربه مع السيدة
فقد قال للنديم :
(( أفلحت إن صدقت هذه السيدة ))
وحيث قال للنديم حينها يا صديقي
إن الرسالة تُقرأ من بدايتها كي نعرف حقيقة محتواها ، فالأمر برمته
لا يحتاج منها
كل هذا الوقت للتنفيذ ، وحتى لو كانت هي ليست متواجدة في القصر بإمكانها
التنفيذ عن بُعد بمجرد اتصال أو رسالة للقائمين هناك لعمل
اللازم وعمل ما هي قررته وتريده
ولكني اسأل الله أن يخيب ظني ، ويبيض وجهك ))

..
في الوقت الذي يتصل النديم بالمظفر ، فهو كذلك يقوم بالاتصال بالسيدة بين
الحين والآخر
ولا زالت السيدة تتلاعب بالنديم بوعودها وأنها ستنفذ وعدها له والنديم لا زال مُحسنُ الظن بها
وبخاصةٍ بعد أن قام بتلبية طلبها على أكمل
وجه ، فهو غير متوقع أن السيدة ستقوم
بالتلاعب به مجدداً كما فعلت مع من سبقوه بخصوص موضوع المظفر .
توارى النديم عن أنظار المظفر أيام عديدة بعد أن كان على تواصل معه شبه يومي
وبعد أن كان قد وعده أو بالأحرى
نقل له خبر موافقة السيدة على أن يعود بعد أيام قليلة
من خلال هذا الغياب
والذي لم يكن مُبرراً لدى المظفر فقد فهِمَ بأن السيدة تؤرجح في النديم
بإرجوحةِ
ألاعيبها الماكرة والخبيثة ، فهي الآن قد أخذت من النديم ما أرادته منه ولا شئ يُلزمها
أو يجبرها حتى على التواصل معه ، وهذا ما نصح المظفر به النديم بأن
لا يقع فريسةً لها
ولألاعيبها التي لا تنتهي ، بحلو وسلس وعذب الكلام التي
تتشدق به وتُوقِعُ به فرائسها
حتى تنتهي منهم وتأخذ منهم ما تريده


في هذه الأثناء كان يقوم المظفر بعمله في كل القصور التي يعمل بها ،وكل أصحاب القصور
راضين ومسرورين من عمل المظفر معهم وبما يقوم به من أعمال مميزة في قصورهم
فمنهم مَن مَنحَ المظفر صلاحيات كاملةٍ ومُطلقة في
قصره ومنهم مَن مَنحه صلاحيات أقل بقليل
من تلك الصلاحيات الكاملة إنما كانت كلها صلاحيات تجعل المظفر يعمل بحريةٍ واسترخاء
وهذا الأمر لم يكن يَرُقْ للسيد مُلهم ، فعاد للمظفر ليؤكد له ثانيةً بأن قصر
مُلهم هو قصره
وأن تنقله في تلك القصور لن يفيده بشئ ، وعليه التركيز في عمله في قصره
إلاّ ان المظفر أكدَّ لمُلهم أن عمله في قصره هو الأولوية
الأولى لديه ، وباقي عمله في القصور الأخرى
يأتي بعد أن يكون قد أتمَّ عمله على أكمل وجه في القصر ( قصر مُلهم )
وأكدَّ له بأن يُعلمُه إن كان قد رأى أيِّ قُصورٍ في
عمله في القصر ، أو هناك
أيّ شئٍ ناقصٍ بعمله ، حتى
قال له مُلهم : أبداً إني لا أرى منك أيّ قصور
فكل ما أردته هو راحتك من كل هذا التعب .
فقال له المظفر : كن على يقين وثقة أن قصرك هذا هو أولويتي هذا من ناحية
ومن ناحيةٍ أخرى فعملي في القصور الأخرى أجد فيه متعةٌ ولذةٌ لذاتي ونفسي
وبالتالي لن يؤثر على عملي هنا والذي هو أيضاً متعةٌ ولذةٌ بالنسبة لي فيا سيد مُلهم
أبعد عن ذهنك وتفكيرك أيّ سوء ظن ، وثق أني حريصٌ على قصرك
بأكثر من حرصك أنت عليه .

تمرُّ الأيام والمظفر بعمله على أكمل وجه وأحسن حال وفي كل القصور ، فقد نسي المظفر تماماً
تلك السيدة ( العمة ) ، وكل ما وعدت به صديقه
النديم ، الى أن ظهر النديم مرة اخرى
ليؤكد له ان الموضوع شبه منتهي مع
السيدة ( العمة ) بخصوصه وعودته لقصرها
ليؤكد المظفر بدوره هو
الآخر للنديم بأنه قد نسي كل هذا الموضوع ولم يعد بذي بالٍ عنده
وطلب من النديم أن يأتي لزيارته ، وينسى هذا الموضوع ، أفضل من السيدة وقصرها وكل ما حوى
فوعده النديم بزيارةٍ قريبةٍ له ، ففرح بهذا المظفر لأنه سيكون لقاء حميميٌّ أخوي مع النديم .
وكانت أيضاً مفاجأة المظفر بمواقف السيد مُلهم والتي قُلِبت رأساً على عقب بين ليلةٍ وضُحاها

نتيجة بعض دسائس ونتيجةً لانعدام التفكير السليم لدي مُلهم فرأى المظفر
أن انسحابه
قصر مُلهم بهدوءٍ هو الأفضل لكلِّ الأطراف الأمور بينهما حتى لا تؤول لأكثر من ذلك
فقد اختصر كل المسافات على السيد مُلهم فقام بتقديم استقالته لمُلهم والذي بدوره رفض
بادئ الأمر
، الاّ أن المظفر أكدَّ له مرة أخرى على طلبه فوافق السيد مُلهم على قبول الاستقالة

بعد الإستقالة ، أو بالأحرى قبلها بقليل ، فقد كان هناك طلبٌ من أصحاب قصرين
للمظفر كي يعمل معهما ، وكأن الله في هذا الطلب أراد أن يعوض المظفر عن ما
خسره سواء في قصر السيدة ( العمة ) أو قصر السيد مُلهم

..
ولا زال المظفر بانتظار زيارة صديقه النديم ، ولا يزال النديم بانتظار تنفيذ السيدة لوعدها له
بما يخص المظفر وعودته لقصرها ، والتي لا تزال بعُذر السفر وأعذار أخرى
تقدمها للنديم
وعلى الرغم أنه في الآونةِ الأخيرة ورغم اتصالات النديم والمظفر ، فلم يَعُد النديم يتحدث
بأي شئ مع المظفر بما يخص السيدة أو ما تم التوصل اليه معها ، أو عن عودته لقصرها .
والمظفر رغم نسيانه لموضوع عودته لقصر السيدة تحت أي ظرف وتحت أي مسمى كان
إلاّ أنه يجلس أحياناً يُفكر ويُحلل موقف صديقه الأخير وسكوته وتكتمه المفاجئ على
كلّ ما حصل
بينه وبين السيدة والتي وعدته من فترةٍ طويلة حين
قالت له :

هي أيام ويعود المظفر الى القصر بكل شروطه

..
وصل الحال بالمظفر الى درجة الملل المؤدي الى التقزز من الحديث أو التفكير بهذه
المواضيع والتي باتت بالنسبة له ماضٍ ولا يمكن الرجوع اليه بأيِّ حال من الأحوال
فترك كل هذا التفكير ، ليُريح فكره من هذا العناء الغير مُجدي
، وترك الأمور تسير
حيث تشاء لها أقدارها أن تسير ، وعمل على التركيز بما يقوم به من عمل في اماكن عمله
بالرغم من تلقيه أشياءٍ صادمةٍ من أشخاصٍ قدَّمَ الكثير لهم وبكل طاقاته خدماته
والتي كانت بمصداقية منه ودون أن ينتظر منهم أيِّ مقابل ،فكان المقابل
حسدٌ وحقدٌ وطعنٌ في الظهر
فأنهى هذه الفصول كلها
ليستمر بحياته وعمله وبحسب ما يُمليه عليه ضميره
رغم كل الضربات والطعنات التي تلقاهما ومن أقرب المُقربين له ولا زالت
نجاحاته

متواصله حيثما كان وحيث عمل وبضميرٍ مرتاح ، فبقي يردد دوماً وكلما خطر بباله
ما حاكوه له
وما فعلوه به بقوله " حسبنا الله ونعم الوكيل "


(( خلاصة القول ))

لا بد ان يكون للنجاح ضريبة ، فلكلِّ نجاحٍ لا بد من حاقدٍ أو أعداء
وحتى تكتمل دائرة النجاح رغم
كل اؤلئك المُغرضين لا بد من المُضيِّ قُدماً وبشموخٍ وعزٍّ وإباء

فما دامت النوايا طيبة وحسنة ، وما نقوم به هو من قناعة أنفسنا
وايماننا
فلنستمر ونعمل ونؤدي فالله هو خيرِ حافظٍ من كلِّ الدسائس
وطعنات الأحقاد من الحاقدين
فحين يهبنا الله شيئاً أفضل مما كنا عليه بعد طعنةٍ من حاقد
فهو دليلٌ قويٌّ أن الله معك
وأن ما نقوم به هو في الطريق الصحيحة

وما دون ذلك وبعده تكون استمرارية الأحقاد ، وتفكير الحاقد بنا
وكيف يُحيك لنا الضرر والمضرات
ومن وفي كل الاتجاهات لهو دليلٌ آخر أنك الأقوى والأفضل
لأننا نكون قد استحوذنا
على جزءٍ كبيرٍ من تفكيره الضلالي وهذا بحدِّ ذاته الشهادة المُطلقة لنجاحنا
وأن خُطانا واثقة ورزينة وواضحة وصادقة
وهي والصحيحة طريقها



الى اللقاء احبتي

في الجزء الثاني من سيدة القصر

إن شاءالله يكون قريباً

تحايا ومحبة









رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ احمد حماد على المشاركة المفيدة:
 (2018-08-25),  (2018-08-31)
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
سيدة القصر ج 1 كاملا

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(عرض الكل الاعضاء الذين شاهدو هذا الموضوع: 10
, , , , , , , , ,

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:19 PM


 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2011-2012
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009