2018-10-11, 09:52 AM
|
|
SMS ~
|
|
اوسمتي
|
|
|
|
|
الاعتذار وحده لايكفي
كلنا ذوو خطأ، وخيرنا من آب ورجع واعترف بخطئه، وكما في عبادة الله سبحانه وحقه سبحانه تكون الأوبة بالتوبة والاستغفاروالعزم على عدم العودة وأداء الحقوق، فإن للمرء حقًا على نفسه، وللآخرين حق عليه إذا أخطأ أن يعتذر.
والاعتذار قيمة كبيرة، وخلق نبيل قويم، ودليل على العلم والثقافة والفهم والأدب والرفعة وعلو القدر، فلا يعتذر إلا الأدباء الفقهاء أهل الأخلاق والذوق، وإنما يهمله ويقصر فيه المتكبرون والجهال.
وهو فعل الكبار قدرًا ومكانة، فالسافلون وإسقاط المتاع من الناس لا يأبهون بمن آلموهم أو آذوهم أو أخطؤوا في حقوقهم وتعدو عليهم.
والاعتذار إقرار بالخطأ، ومن ثم فهو يحتاج صدقًا مع النفس، ومجابهة شجاعة مع الذات، يراجع المرء فيها ذاته وسلوكياته، فيعرف سلبياته ونواقصه وأمراضه، ومن ثم يعرف ما أخطأ فيه.
كما أنه يحتاج معرفة للحقوق والواجبات من نفسه للآخرين ومن الآخرين عليه، فلا يتصور نفسه دائمًا موضعًا لآداء الحقوق، غافلاً عن واجباته، وإنما يوازن بين ما له وما عليه، بل ويقدم ما عليه على ما له.
فمن أخطأ في حق الوالدين لزمه معرفة حقوقهما عليه حتى يقدر قدر الخطأ، وكذا القول في حق الصديق والجار والزوجة وغيره، ومن ثم يعلم أهمية الاعتذار.
والاعتذار حق للناس علينا إن نحن أخطأنا معهم، إذ بالخطأ نضع أنفسنا موضع الظالم ونضع الناس موضع المظلوم، وقد يكون ذلك الخطأ مؤثرًا آثارًا سلبية على نفوس الناس أو علاقاتهم أو معاشهم وأرزاقهم، فلا يظنن أحد أن الاعتذار هو مجرد تفضل منه، أو أنه مجرد ذوق وأدب عابر.
والاعتذار لا ينقص من منزلة المرء ولا يهز مقامه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير النخل أشار بعدم تأبيرها. ثم قال بعد ذلك: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن» (رواه مسلم [2361]).
ومما ورد: أن أناسًا من الأشعريين طلبوا من أبي موسى الأشعري مرافقتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم ماذا يريدون، وإذا بهم جاؤوا يطلبون التولية على أعمال المسلمين، فظهر أبو موسى وكأنه جاء يشفع لمن طلب الإمارة، فشعر بالحرج الشديد، قال: "فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذرني" (رواه أحمد والنسائي).
وقد يكون الاعتذار ببيان ماالتبس على الناس من فعل الإنسان، أو من إزالة شبهة الضرر أو الأذى أو التعمد للخطأ، فقد روى الإمام أحمد أن حذيفة طلب ماءً من رجل من أهل الكتاب؛ ليشرب، فجاءه الكتابي بالماء في إناء من فضة، فرماه حذيفة بالإناء، ثم أقبل على القوم، فاعتذر اعتذارًا وقال: "إني إنما فعلت ذلك به عمدًا؛ لأني كنت نهيته قبل هذه المرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس الديباج والحرير، وآنية الذهب والفضة". فأوضح لمن معه أن هذا الرجل يعلم حرمة استعمال آنية الفضة على المسلمين، ومع ذلك تكرر منه ما يدعو إلى الغضب والشدة.
وقد يكون عن ظن خاطىء حصل، فقد كان الأنصار عند فتح مكة، قد توقعوا ميل النبي صلى الله عليه وسلم للإقامة مع قومه في مكة بعد الفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم» (صحيح ابن حبان [4760]). فأقبلوا إليه يبكون، ويعتذرون بأنهم قالوا ما قالوه لحرصهم على إقامته معهم في المدينة، فقالوا: "والله ما قلنا الذي قلنا إلا لضنّ بالله ورسوله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» (رواه مسلم وأحمد [1780]).
وإذا كنا ندعو إلى الاعتذار، فإننا كذلك ندعو إلى قبول المعتذر، وعدم صده، بل إنه من مكارم الأخلاق قبول الاعتذار، وعدم العتاب وعدم اجترار الأخطاء والنواقص، يقول ابن القيم : "من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته ... وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجّه" (مدارج السالكين).
ومن نافلة القول أن نؤكد أن الاعتذار ليس مجرد قول باللسان، بل هو سلوك، وتصحيح للأخطاء، ورتق للفتق، وجبر للكسر بقدر الاستطاعة، أما مجرد الكلام بالاعتذار فهو غير مجد في كثير من الأحيان وغير شاف لآلام الأخطاء.
وأحق الناس بالاعتذار كبار القوم إذا أخطؤوا وقادتهم إذا زلوا، وعلماؤهم إذا غفلوا، ودعاتهم إذا قصروا، والعائلون إذا كسلوا أو فرطوا، فهؤلاء يكون اعتذارهم نشر للفضيلة وتقويم للمسيرة.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|