مرحــبا بكم مليون |
قصـص، روايـات، سرديات، بأقلامكــم يمر الربيــع تلو الربيـــع ويتصــاعد الشـــعور - قصص ، روايـات وسرديات |
الإهداءات |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
علَى هَيئَتِهِ ..! السطر الأخير .
.
أنا وَ حرْفي غريبَين لا تمكثوا كثيراً، قد ضَاقت بيَّ الدُنيا فأنا لست هنا إلّا عابرِ طريق. عندما تسقط منك التفاصيل في هامش النص، تتأرجح الرواية على عكازٍ هزلي يحمل خيباتٍ تراجيديّة، فيحتار الحرف في ابتسامةٍ وعينٍ دامعة .. السخرية من الواقع كشهادة حقٍ لراقصةٍ في نادٍ ليليّ، فيرى المحرومونَ أنثى تتدلى كـ قطف عِنَب، فيتوضئوا كي يغسلوا عهر ذنوبهم ساعةً أخرى في صلاة الفَجر، فيبدأ استفغارهم في نهارٍ جديد، وتبقى أحلامهم في الليل تنتظر . إنها الحماقة، إنها الحقيقة، إنها السخريةُ الموجعة .. إنها الواقع بلا عُنوان ، فكل الإتجاهات تؤدي الى الورقة . أنا، أمقتها حقاً بل أكرهها كثيراً وهي تلفِظ حُروفي كراهيةً إن كتبتها بالمساء، تصبح بيضاء لتبحث في نهمٍ عن الجديد، وحقيقةٍ بليدة،منكسرٌ جداً، بل متألمٌ حدّ البلادَة، لا شيء يُحيي الروح وهي منكَسِرة حتى الكتابة، فالكتابة لعنةٌ عمياء لمن أتقن مسايرة آلامه في النص، فأعيش الصمت لأعود في كل انكسارٍ من الصِفر فتسقط التفاصيل على هامش النص. أذكر في زقاق الحُلم في طرقات المخيم، في دفئ الحنين الذي يملأ الحواري، في الأمنية العظيمة ( إننا عائدون )، أذكر جدي حين كان ينظر الى أعيننا ونحن حائرون في طفولتنا البلهاء، كان يجمعنا من حوله ويبتسم ويتحدث بكل فخر عن رجالٍ عظماء، وفي كل نهايةٍ لروايةٍ يسردها في آخر اليل يقول : هانت يا ولادي قربنا نرجع للبلاد . لم نكن نفهم هذا الكلام كثيراً ولم نكن نعلم معانيه وعمقه، كل احلامنا كانت معلقة في لعبةٍ ما، في قطعةٍ من الحلوى، في ابتسامة أبٍ أو أمٍ حائرة الوجدان لا تحمل في ملامحها سو الألم، لم نكن نحلم بالكثير، كانت أمنياتنا بسيطة جداً بل ساذجة حد الضحك والغباء، لم أكن اعلم ان هذا الحزن على وجه ابي هو انكسار رجل، وموت كبرياءٍ لرجل فقد وطنه، لم أكن أعلم ان هذه الصور المعلقة على الجدران هي لشهيد، أو لأسير، أو لمفقودٍ في ليالي النكسة الموجعة، لم أكن أعلم أن مرض جدتي كان سببه وجع الغربة والتشريد، كنت اسألها دائماً : مالك يا ستي ليش بتعيطي .؟ فتجيبني : اشتقت للبلاد يا حبيبي، اشتقت للدار والارض وبير المي والشجر والزرع، اشتقت لجاراتي وأهلي وناسي . لم تكن مخيلتي تتسع لهذا الاشتياق، فكل معناً للاشتياق بالنسبة لي كان انتظار امسيةٍ جميلة أجتمع بها مع اخوتي واطفال اقاربي في البيت مساءً كي نلعب، او اشتياقي كي يجمعنا فراشٌ واحد وغطاءٌ واحد، قد كنا ننام كالموتى ننام في طابورٍ سريري قد كان الفراش يتسع لاكثر من خمس او ست اشخاص بغطاءٍ واحد. لم يهمني كل هذا، لم يهمني برد المخيم، لم يهمني صرير الهواء والرياح وصوت المطر على الواح الزينكو، لم يهمني رجفة اخوتي بسبب قلة الدفئ وقلة الأغطية، لم يهمني الماء المتسلل من اسقف الزينكو على الاطباق التي كانت أمي توزعها في الغرفة حتى بالكاد كنا نجد ماكناً لننام فيه، لم يهمني عندما كنت انظر من الباب خلسةً فأجد أبي ينام متكاً عالى الحائط وهو جالس لعدم توفر مكان لينام به، نعم قد كنا نتجاوز السبعة عشر شخصاً في غرفةٍ واحدة و ( حوش ) ومطبخ مبني من الطين وسقفه من الزينكو، كان الـ ( حوش ) مسقوفاً بقماشٍ تمت خياطته من أكياس الطحين والقمح فكان منظره بالنسبة لي جميلٌ جداً قد كان ممتلئاً بعباراتٍ زرقاء وارقامٍ متكررة ورسومات متماثلة، وعندما كبرت علمت انها شعار الامم المتحدة وأرقام مواد التموين التي كانت تصرف لنا وكان فوق القماش قطعٌ من الخشب تغطي ما تبقى من عورة الفرح الذي لم يكتمل ابداً. حظفتها عن ظهر قلب، تلك العبارة التي قالها جدي مراراً: مش مطولين، راجعين بكرى ان شاء الله لفلسطين. مات جدي بعد سنوات، ولم نرجع، أُعدم عمي في السجن بعد سنين ولم نرجع، ماتت جدتي بعدهما بعامين ولم نرجع، مات أبي بعدهم بخمسة عشرَ عاماً ولم نرجع، ووالدتي ماتت بعد عشر سنوات كذلك، ولم نرجع، ومازالت تلك الكلمات في وجداني : راجعين بكرى ان شاء الله لفلسطين. رحلوا جميعاً، دُفنوا في أرض المنفى، دُفنوا في الغربة، مازالت جثثهم باردةً تبحث عن الدفئ عن الوطن عن ارضٍ طاهرة، رحلوا جميعاً وتركوا في رقبتي حق العودة، وبعد الاربعين من عُمري مازلت أنتظر أن أعود، حلمٌ حملته على عاتقي وورّثته لمن بعدي في أمل العودة، لكن كان صياغة هذا الحلم اليوم بصورةٍ أخرى : متى سنعود ..؟؟؟ *************** اليوم، أجمع أوراقي وحقائبي، أرتب ما تبقى من أشيائي في حقائب سفرٍ جديدة، قد لفظتني الغربة خارج الرواية تماماً، لم أكن اشعر بهذا الوجع من قبل، قد كان وجع الغربة ميسور الحال، كرجلٍ فقير يعيش كفاف يومهِ برشفة ماءٍ وكسرة خبز، كان وجع الغربة كفراق حبيبةٍ أعلم أنني لم ولن تعود الي، كان وجع الغربة كقبر أبي باردٌ جداً لا تعلوه زيتونةٌ ولا ترابٌ يرويه دم شهيد، حتى الموت في الغربة فقيرٌ جداً بل، موجعٌ أكثر من الأمنيات التي لم تتحق بعد، لفظتني الغربة خارج الرواية، لا أعلم بأي اتجاهٍ أسير، بل لا أعلم أي المعابر ستستقبل رجلٌ يحمل ورقة عبورٍ لا تعنيه بشيء ورقةً للحياة الأخرى وكأنها ( صكوك الغفران من راهبٍ مؤمنٌ بالجنة )، كأنها تذكرة عبورٍ لحفلةٍ مسائيةٍ أسمع بها أنغامي المبعثرة وهتاف الجمهور لبطل الرواية حين يموت على خشبة المسرح، فالجمهور كثيراً لصدق المشهد فلا يهم من مات ولا يهم من عاش ولا يهمهم من يوجد حتى خلف الكواليس لكن كل ما هنالك أن المشهد أثار شهيتهم حد الابتسامة حد القبول والرضى على آلام الآخرين ..! تباً لهذه المشاهد، لا يعلم وجعها إلا من يقف على هذه الخشبة، ولا يشعر بها إلا من سقط أرضاً وارتطمت رأسه بالحقيقة، حقيقة أنه الميت الحي .. حقائبي مغلقة، أوراقي تركتها في مزبلة التاريخ، قصتي خُتم عليها النسيان، وخياراتي لا خيار لي بها، فإلى أين المسير؟ بأي اتجاه، لا أعلم ..!! أنا والطريق الآن رفيقان، عدنا وكأننا لم نكن، نسير بأي اتجاهٍ تريده الحكاية . ************** كم تمنيت أن تكون النهاية في مكانٍ آخر، كم تمنيت أن أسرد روايتي في ليلة شتاءٍ دافئةٍ وفنجان قهوة، كم تمنيت أن تنتهي الطريق على صدر امرأةٍ شاهقة الانتظار حد الجنون، كم تمنيت أن تكون الخيارات التي أريد، تمنيت الكثير، لكن لا مكان للأمنيات في حضرة الغياب، لا مكان للأحلام في طريقٍ لا تنتهي بل تستمر بالمسير في مهب الريح، لا مكان للأحلام على ورقةٍ لا يقرأها إلا الصمت، لا مكان للشعور في قلبٍ عليل، لا مكان لأشيائي في عالمكم الغبي، فعالمي حزينٌ جداً إذ ما زال يبحث عني في الطريق الموارب نحو المساء، وطريقي الآن يسير نحو الجنوب، تباً أريد الآن أجلس بين الجمهور لأشاهد نهايةً ما لهذا المشهد العجيب . يا صديقتي، هناك دائماً بالقلب نافذةٌ مشرقة نحو الهدوء، غرفةٌ لا تتسع إلا لشخصٍ واحد فقط، قد كانت من نصيبكِ أنتِ، قد كانت خالية باردةً مظلمةً لحين حضورك، وحين رحيلي لا حيلة لي به، فالموت والغربة توأمان، الصمت والموت وجهان في عملة واحدة، الغياب والمبررات فجيعة شعورٍ مبتور، والرحيل أرحم اختياراتي المقننة على لوحةٍ قد رسمتها بخط يدي يوماً على جدار المخيم، ( سهم يشير الى الغرب وعبارة متلاطمة بخطٍ بريء كتبتها جهراً - عائدون ) . لا تنتظريني، فأنا كاذبٌ كبير، أنا الذي يحمل الوطن عنواناً وأمنيةً لا أملك شيءً بعد لأقدمه قرباناً علَّ أحلامي تتحق، أنا كاذبٌ كبيرٌ جداً لا حق لي بأن اتأمل عينكي، لا حق لي بأن ارتمي على نهديكي لا حق لي بأن أقبّل هاتين الشفتين العاشقتين، لا حق لي بأن اداعب شعركِ لا حق لي حتى بأن أقترب أكثر، فالغرباء يا حبيبتي لا حق لهم بالحياة ولا حتى يحق لهم الموت، الغرباء لا تجمعهم إلا الطريق، وحقيبة سفرٍ وخريطة لأي اتجاه وتصريح عبور .. ************ مزدحمٌ جداً، مزدحمٌ بمن رحلوا. مازالت ذكراهم تراودني قصراً وأنا مازلت أهرب من غيابهم، فالاشتياق فجيعةٌ وألمٌ لمن لا وجهة له، الاشتياق موتٌ مكرر في كل صباحٍ وآخر الليل الحزين، الاشتياق عذابٌ في الصمت وفي الكلام وفي الكتابة وحتى في حقيبة السفر، يا وجه أمي الطاهر أما آن لك أن تتركني بسلام؟ يا ابتسامة أبي وشموخ نظراته وجبروت صبره أما آن لك أن تغادرني لعلي ارتاح قليلاً، أما آن لكم أن تلملموا أشيائكم عني وترحلوا بلا عودة.؟ قد اكتفيت، وهذا الجبل هزته رياحٌ كثيرة وصَمَد، لكنكم لا تعلمون كم حمَلت معها من ذرات ترابه حتى أمسى هزيلاً كهضبةٍ يعبرها أي عابر طريق، كفى تأججاً أيتها الأمنيات فلا مكان لكِ الآن فمازالت الطريق الى الوطن المنسي مغلقةً بِحُكمِ زعامةٍمتخلفة تمتطي الذل والرذيلة، مازال الوطن في حالة مخاضٍ ورواية شهيدٍ كل مساء، ومازلت أنا أبحث عن طريقٍ ربما أعبر إلى صدر الحكاية، ونهايةٍ قد حملتها أمانةً يوماً من جدي فأثقلت على كاهلي ما أثقلت ورمت في داخلي من الأحلام ما رمت ولم تكتفي . للعشق أوجهٌ مختلفة، موجعة، شهية،تمنيت البوح بها لكنها عبثاً ترفض حالة المخاض ولا تريد غير السبات في فصل الشتاء الطويل، قد أقسمت عليّ الصمت، ورجاءً منها بألا استبيح عذرية الشعور وأكتفي بوسادةٍ خاليةٍ كل مساء، وتنهيدةٍ يملؤها الشوق لحضن امرأةٍ حاضرةٍ غائبة، هكذا هي الخيارات المتاحة كي يبقى الآخرون بسلامٍ مطمئنين، ربما هي خياراتٌ نريدها عبثاً فأنا أعلم أني قليل الحيلة في مشاعري ودائماُ أنهزم في كل معركة، لأصمت أذاً واكتفي بالمسير وحقائبي والطريق الى اللا مكان . اتخاذ القرار ليس بمسألةٍ صعبةٍ ولا بسهلة، فهناك أشياء تعاتبنا إن تركناها خلفنا، أشياء نخذلها مرغمين، تجعلنا نحمل وزر أعمالنا التي لم نكن يوماً مسؤولون عنها بل كنا فقط شاهدين عليها، او ربما كنا طرفٌ من روايةٍ أكبر منها بكثير، لكن أؤمن دائماً بالنهايات، التي نختارها من بين خياراتٍ ضيقةٍ جداً تجعلنا غريبين في تصرفاتنا وحياتنا وربما بعد الآن لن أحتاج لمبرر لما أقوم به مرغماً، ولن احتاج إلى ورقةٍ جديدة . السطر الأخير. في حينه وطن أنا الرجل الذي لم يفهم شيئاً ...!!
آخر تعديل سُقيا يوم
2018-10-25 في 08:47 PM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الكل) الاعضاء الذين شاهدو هذا الموضوع: 18 | |
, , , , , , , , , , , , , , , , , |
|
|