2018-06-14, 05:00 AM
|
|
دُرُوسٌ وَعِـبَـرٌ .. مِنْ حَـادِثَـةِ الْإِفْـكِ
.
.
.
.
من أهـم الدروس والعِـبَـر المستفادة من حادثة الإفك ما يلي :
ـــ أَوَّلاً : التحذير الشديد من الإشاعة وترويجها بين الناس، خصوصا في ما يتعـلق بالحياة الخاصة للأفراد، وعـدم تتبع العَـورات، وضرورة التبيّن قبل تصديق أي إشاعة وإن كانت الشبهة قائمة وقوية ، فعـائشة أم المومنين عـادت رفقة أجنبي بعد انطلاق الجيش، فسلقوها بألسنة حِدَاد قبل أن تَـظهر براءتُها. ونحن نعـيش اليوم تطورا هائلا في الوسائل التكنولوجية التي تساعـد عـلى تتبع العـورات واصطياد العـثرات، بل وتركيب الصور والسيناريوهات لتخريب البيوت أو للابتزاز ، من أجل المال أو الاستغلال الجنسي ، وأحيانا لإسقاط خصم سياسي ، وقد يأتي ذلك عـلى أيدي المخابرات ؛ من أجل الضغـط لتحريف مسار حزب أو قضية . والإسلام يحرم هذا كله ويطالب بأربعـة شهداء عُـدول، أما إذا كانوا ثلاثة أو أقل وتفوّهوا بما رأوه حقيقة وروّجوه، فإنه يُقَام عـليهم هُـم الحد ، كما هو مذكور في مطلع سورة النور .
ـــ ثَانِيًّا : تجنُّب مواقف وأماكن الشبهات إلا لضرورة ، فمَن عُـرف عـنه مخالطة الفُسَّاق في نواديهم كالحانات والعُـلَب الليلية والكباريهات ، فهو مثلهم ، لا حرمة له ، رجلاً كان أو امرأة ، فالتحذير من هـذا الصنف من الفاسدين واجب في حدود ما تقتضيه الضرورة ، كطلب استشارة في النكاح أو العـمل.. أما الكلام عـن خصوصيات الناس بغـير مُوجِب فلا يجوز، فـَ ( مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعـنيه ).
ـــ ثَالِثًا : رأينا الحكمة التي تَعـامل بها النبي صلى الله عـليه وسلم مع الحادثة ، بالرغـم من خطورتها ، فلم يضرب عـائشة ، ولا انتهرها ، ولا اتَّهمها ، بل أخذ يستشير العُـقلاء في أمرها . ولو حصل أقـل من هـذا في بيت من بيوتنا اليوم لتهدمت أركانه ، ولَكَان للزوجة النصيب الأوفـر من السَـبّ والضّـرب والتعـنيف، وهـذا كُله ظلم وجهـل، فاتَّـقوا الله في أزواجكم .
ـــ رَابِعًـا : النبي صلى الله عـليه وسلم ، لا يعـلم من الغـيب إلا ما أعـلمه الله به ، ولهـذا لم يستطع الحسم في القضية ، حتى نزل الوحيُ (إنَّ الَّذينَ جَاؤوا بالإِفكِ عُـصْبة منكم لا تَحسبُـوهُ شَـرًّا لَكم بَـلْ هُـوَ خَـيْـرٌ لَكُمْ...) ، في حين نرى اليوم العـديد من الجُـهَّـال ــ خصوصا النساء ــ يقـصدون العَـرَّافين والكُهَّان والسَّـحَـرة ليُطلعُـوهُـم عـلى ما يُخبؤه لهم المستقبل من مفاجآت ، فيصدقُـوهـم ؛ ويَبنون عـلى ذلك مواقف وقرارات ، وقد حذَّرنا الرسولُ صلى الله عـليه وسلم من ذلك حين قال :« مَن أتى عَـرّافا فصدَّقه بما يقول ، فقد كَفَـر بما أنزل عـلى محمّد » !
ـــ خَامِسًـا : الإسلام يدعُـو للصفح والعـفـو وثقافة التسامح ، وقد تجلى ذلك في موقفين من هـذه الحادثة ؛ الموقف الأول عـندما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم زوجَه عاـئشة بقوله: "أما بعـد، يا عائشة فإنه بلغـني عـنك كذا وكذا، فإنْ كنتِ بريئة فسيُبرِئُك الله ، وإن كنتِ ألمَمْتِ بذنبٍ فاستغـفـري الله وتُـوبي إليه ، فإنَّ العَـبد إذا اعـترف بذنبٍ ثُم تابَ تابَ اللهُ عليه ، فهو يدعُـوها إلى التوبة من الذنب ، إن كانت اقترفته ، حتى لا تَيئس من رحمة الله . وكم من فتاة وقعَـت في ورطة أو غـلطة أو تهوُّر في ساعة غـفلة، فعَـنَّفها أهلُها وأهانوها ، وربما طردوها من البيت ، فأضحت لقمة سائغـة ، في أيدي شبكات الدعـارة تُتاجرُ بعـرضها وتَـسومُها سـوء العـذاب ، وهـذا من الجهل والظلم الذي يُـسأل عـنه وليُّها يوم القيامة ؛ أما الموقف الثاني : فلمّا نَهَـى الله عـز وجل أبابكر من أن يمنع الصدقة التي كان يُجريها عـلى أحد أقربائه الفقراء ممن خاضوا في عـرض الصِّـدِيقة عـائشة ، وهـو مسـطـح ، فأعـادها إليه ، وقد يحصل أقل من هـذا في أُسَـرنا فتحصل القطيعَـة إلى الأبد .
ـــ سَـادِسًـا : الاعـتراف بالجميل لذوي السابقة والأيادي البيضاء ، إنْ حَصل منهم ما ينافي المروءة ، وقد تجلى ذلك في قول عـائشة ــ رضي الله عـنها ــ لأمّ مسطح حين عـثرت في مرطها وقالت :تَعِـس مسطح ؛ قالت لها : بئس ما قلتِ ، أتَـسُـبين رجلا قـد شهد بدرًا ؟! فكونه شهد بدرا يُعـطيه حصانة مُعـيّنة ، ليس في مخالفة القانون ، بل لقد أقيم عـليه كباقي المتهمين حَـدُّ القـذف، لكن شهوده بدرا يمنع من الحديث عـنه كباقي المتهمين ، وهـذا أدب غائب في مجتمعـنا اليوم ، فالناس إذا رأوا زَلَّة من عـالم ، أو مجاهد سـبـق أن قاوم الاستعـمار ، أو حارب الفساد والاستبداد في فترة معينة ، فإنهم لا يَستحضرون تلك المواقـف ، بل تـراهم يَقعُـون في عِـرضه ، أشد مما ينتقدون مَن دونه منزلة في العـلم والجهاد !!
ـــ سَـابِعًـا : الابتلاء سُـنَّة الله في خَلقه، وأشد الناس بلاء الأنبياء ، وهـذه الحادثة من أعـظم أنواع الابتلاء، ولو شاء الله لبرَّأ أُمَّنا عـائشة من أول يوم ، لكنه سبحانه أراد أن يُمحّص الصفوف ، ويؤدب الصحابة ، وينزل أحكاما لصيانة الأسرة وضبط العَـلاقة بين الجنسين ؛ تـقـوم عـليها أركان المجتمع إلى يوم القيامة . وقد ابتُليت السيدة مريم البتول وابنُها المسيح عـليهما السلام بمثل هـذا القذف ؛ كما ابتُـلي نبي الله يوسف عـليه السلام بالقذف ، لكن الله بـرّأهـم وأذلَّ قاذفيهم .
ـــ ثَامِنًـا : احتقارُ النفس في جَـنْـب الله ، واتهامها بالنقص ، وعـدم الوفاء بحقوق الله وحقوق الناس ، تأديبًا لها ، وطلبًا لترقيتها في مدارج الكمالات ، فتزكية النفس من الرُّعُـونات . فهذه عائشة الصِّـدِيقة ، حبيبة رسول الله صلى الله عـليه وسلم خير الخلق ، ومَناقبها أكثـر مِن أن تُـعَـدَّ ؛ ومع ذلك تقـول:« والله ما كنتُ أظـن أن ينزل في شأني وحـيٌ يُتلى ، ولَـشأني كان أحقـر في نفـسي من أن يتكلم الله فِيَّ بوحيٍ يُتلى ، ولكن كنتُ أرجو أن يَـرى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رؤيا ، يُبرئني الله بها » ؛ في حين ترى اليوم الواحد منا إذا وُفِّق لصلاةٍ بالليل والناس نيام ، ظـنّ في نفسه أنه يُستَـسقى به الغَـمام ! أمّا إذا كان شيخ طريقة ، فحُقَّ عـلى الناس أن يُقبِّلوا رجليه ، ويسجدوا بين يديه ، وهـو مغـموس في البدع
من رأسه إلى قدميه !
ـــ تَـاسِعًـا : مُراعاة النبي صلى الله عـليه وسلم للنزعة القَـبَـلية والانتماء العِـرقي ( وإن كان من الجاهـلية) .. الذي كان ما زال مُتمكنًا من نفوس أصحابه حتى كاد الحَيَّان : الأوس والخزرج أن يـقـتـتلا بسبب اعـتبارهـم للتحالف العـرقي في هذه القضية ، وهـذا ما تـقـتضيه السياسة الشرعـية اليوم ، وقد كـثـرت الانتماءات الحزبية والعـرقية والطائفية داخل البلد الواحد ، ما يُحَتم عـلى العـقلاء أن لا يعـملوا عـلى إلغـاء هذه الانتماءات ، بل يسعَـون لتوظيفها خدمة للصالح العَـام .
.
.
.
.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
آخر تعديل رفيفَ يوم
2018-06-14 في 05:02 AM.
|