فلسطين: صمود شعب في عام المجازر والإبادة
مدخل: أرض تسكنها المعاناة وصوت لا يخبو في طيات التاريخ الفلسطيني الممتد لعقود طويلة، تتشابك الخيوط بين كفاحٍ مرير من أجل البقاء، وألم مستمر نتيجة التهجير والاحتلال والقمع.
القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي تتقاذفه المؤتمرات أو تتبادل أطرافه صفقات مشبوهة؛ بل هي صرخة شعب اقتُلعت جذوره من أرضه، وصار يواجه مجازر تُذَكّر العالم بأن العدالة ليست دائماً حاضرة، وأن الصمت على الظلم يطيل أمده.
عام القضية الفلسطينية الذي تشتعل فيه نيران الغضب الشعبي، والعام الذي تُسجل فيه صفحات سوداء من المجازر الوحشية، ليسا سوى محطاتٍ مستمرة ضمن طريق طويل من الإبادة الثقافية والإنسانية.
لكن هذا العام تحديداً قد حمل معانٍ ثقيلة تجسّدت في تصعيدٍ غير مسبوق من الاعتداءات، وحصارات خانقة، وتهديدات تطال الإنسانية في صميمها.
القضية الفلسطينية: أحقية لا تسقط بالتقادم
القضية الفلسطينية ليست نزاعًا على أراضٍ أو مجرد مسألة حدود؛ هي في جوهرها مطالبة بحقوق شعب سُلِبت منه حريته وسيادته.
ومنذ عام 1948، تكرست معاناة الفلسطينيين عبر سلسلة من التهجير القسري الذي أحالهم إلى لاجئين في مخيمات تحاصرهم الآلام والمعاناة.
نُهبت ممتلكاتهم، وسُلبت أراضيهم، ووضعت قضيتهم أمام طاولة المفاوضات لا بوصفها قضية حقوق إنسان، بل ورقة ضغط على مسرح السياسة الدولية.
رغم ذلك، ظل الشعب الفلسطيني صامدًا؛ يُعبّر عن حقه في تقرير مصيره عبر الأجيال المتعاقبة، متكئًا على صلابة إرادته، مستعينًا بإبداعاته في الثقافة، والشعر، والفن، ليحافظ على هويته الوطنية التي حاول الاحتلال طمسها.
المجازر: صفحات من الألم المستمر
من دير ياسين عام 1948 إلى صبرا وشاتيلا عام 1982، إلى العدوان على غزة في الأعوام الأخيرة، يثبت الاحتلال الإسرائيلي أن المجازر باتت جزءًا من استراتيجيته لإخضاع الفلسطينيين وإسكات أصواتهم.
في كل مرة يُرفع صوت المطالبة بالحق، يُواجه بالقمع المسلح الذي لا يفرّق بين طفل وشيخ، ولا يعترف بأي قواعد إنسانية.
بلغة الرصاص والنار تُفرض وقائع جديدة على الأرض، ويجري رسم خرائط المعاناة بدماء الأبرياء.
هذا العام لم يكن مختلفًا؛ شهدت الأرض الفلسطينية تصعيدًا جديدًا في المجازر، لتتحول الأحياء المكتظة في غزة والضفة الغربية إلى ساحات حرب مفتوحة.
استُهدف المدنيون بوحشية لا هوادة فيها، لتكون المجازر أداةً من أدوات العقاب الجماعي، تُضاف إليها سياسات الحصار والخنق الاقتصادي التي تزيد من معاناة الشعب وتثقل كاهله.
الإبادة: محاولة لكسر إرادة الصمود
الإبادة في الحالة الفلسطينية لا تقتصر على قتل الأرواح، بل تمتد إلى الإبادة الثقافية والاجتماعية.
فتهويد القدس وسرقة التراث الفلسطيني، وهدم المنازل على رؤوس أصحابها، هي شواهد على مسعى ممنهج لاقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وطمس ذاكرتهم الجماعية.
تتواصل المحاولات لإحلال رواية المحتل محل الحقيقة التاريخية، في محاولة بائسة لمحو كل أثرٍ يشير إلى أصالة الأرض وحق الفلسطينيين فيها.
ما يشهده العالم اليوم في فلسطين هو شكل من أشكال "الإبادة البطيئة"؛ إذ لا تقتصر أدوات المحتل على القتل المباشر، بل تشمل الحصار، وتجفيف الموارد، وتقويض كل مقومات الحياة الكريمة، ليبقى الفلسطيني بين نار الجوع والقهر، وبين الحصار والرصاص.
المجتمع الدولي: شريكٌ في المأساة بصمته وتقاعسه
إن صمت المجتمع الدولي وتقاعسه عن اتخاذ إجراءات حاسمة حيال الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين يُعد بمثابة تواطؤ غير معلن.
فالمواقف المائعة والشجب الروتيني لم تعد ذات جدوى أمام مجازر تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم.
إن كل دقيقة صمت تمضي على جرائم الاحتلال تمثل انتهاكًا إضافيًا لحقوق الشعب الفلسطيني، وتجعل المجازر قابلة للتكرار.
في الختام: صوت الحق أعلى من قهر البنادق
رغم سنوات القهر والمجازر، لا يزال الشعب الفلسطيني يقف شامخًا في وجه المحتل، متحديًا بصلابته كل محاولات الإبادة والطمس.
لم تتمكن المجازر، ولا جدران الفصل العنصري، ولا سياسات التهجير، من قتل الحلم الفلسطيني في الحرية والكرامة.
بل إن الأمل في التحرر يتجدد مع كل طفل يولد في المخيمات، ومع كل قصيدة تُكتب على جدران الخراب، ومع كل صوت يهتف بالحق في أزقة المدن المحتلة.
سيبقى العام الذي شهد المجازر والإبادة شاهدًا على عار الصمت الدولي، لكنه في الوقت ذاته سيكون شاهدًا على نضال شعب رفض أن يُمحى اسمه من سجلات التاريخ.
صوت الحق الفلسطيني سيبقى أقوى من هدير الطائرات وأعتى القنابل، فالحرية قد تتأخر، لكنها حتمًا ستشرق ذات يوم.