::: زوجاتنا الأربَعْ :::
اليوميات
- - -
(33)
قضينا العمر في المخدع
وجيش حريمنا معنا
وصكُّ زواجنا معنا
وصكُّ طلاقنا معنا.
وقلنا: الله قد شرَّعْ
ليالينا موزَّعةٌ
على زوجاتنا الأربعْ .
هُنا شفةٌ ..
هنا ساقٌ ..
هنا ظفرٌ .
هُنا إصبعْ
كأن الدينَ حانوت
فتحناه لكي نشبعْ ...
تمتَّعنا \"بما أيماننا ملكتْ\"
وعِشنا من غرائزنا بمستنقعْ
وزوَّرنا كلامَ الله بالشكل الذي ينفعْ
ولم نخجل بما نصنعْ
عبثنا في قداستهِ
نسينا نُبْلَ غايته ..
ولم نذكر سوى المضجَعْ
ولم نأخذ
سوى زوجاتنا الأربَعْ ...
هو شاعرٌ نَرْجِسِيّْ
لأنه يتمرَّى بماء قصيدتهْ.
ويمشي وحيداً، على ضفاف لُغتِهْ.
ويصنعُ فنجاناً من القهوةْْ
يقدّمُهُ لنَفْسِهْ...
ويُهدي نَفْسَهُ وردةً واحدةً.. كلَّ يومْ
إذا لم يجد من تُهديه وُرُوداً..
2
هُوَ شاعرٌ نرجسيّْ
ينام على ذراع كلماتهْ
إذا لم يجدْ ذراعَ امرأةٍ
ينامُ عليها..
3
النرجسيةْ..
هي أن يؤمنَ الشاعرْ
بأنَّ قصيدتَهْ
هي نُقْطَةُ ارتكاز الكُرة الأرضيةْ....
4
الشاعرُ النرجسيّْ
يتصورْ..
أنهُ هو الذي يعيِّنُ الملوكْ...
وهو الذي يُقيلُهُمْ..
وهذا الوهْمُ الجميلْ
هو الذي قَتَل شاعراً كبيراً،
كالمُتَنَبِّي..
يَضَعُ إبني ألوانه أَمامي
ويطلُبُ مني أن أرسمَ لهُ عُصْفُوراً..
أغطُّ الفرشاةَ باللون الرماديّْ
وأرسُمُ له مربَّعاً عليه قِفْلٌ.. وقُضْبَانْ
يقولُ لي إبني، والدَهْشَةُ تملأ عينيْه:
\".. ولكنَّ هذا سِجْنٌ..
ألا تعرفُ ، يا أبي ، كيف ترسُمُ عُصْفُوراً؟؟\"
أقول له: يا وَلَدي.. لا تُؤاخذني
فقد نسيتُ شكلَ العصافيرْ...
2
يَضَعُ إبني عُلْبَةَ أقلامِهِ أمامي
ويطلُبُ منّي أن أرسمَ له بَحْراً..
آخُذُ قَلَمَ الرصاصْ،
وأرسُمُ له دائرةً سَوْدَاءْ..
يقولُ لي إبني:
\"ولكنَّ هذه دائرةٌ سوداءُ، يا أبي..
ألا تعرفُ أن ترسمَ بحراً؟
ثم ألا تعرفُ أن لونَ البحر أزْرَقْ؟..\"
أقولُ له: يا وَلَدي.
كنتُ في زماني شاطراً في رَسْم البِحارْ
أما اليومَ.. فقد أخذُوا مني الصُنَّارةَ
وقاربَ الصيد..
وَمَنَعُوني من الحوار مع اللون الأزرقْ..
واصطيادِ سَمَكِ الحرّية.
3
يَضَعُ إبني كرّاسَةَ الرَسْم أمامي..
ويطلبُ منّي أن أرسُمَ له سُنبُلَة قَمحْ.
أُمْسِكُ القلم..
وأرسُمُ له مسدَّساً..
يسخرُ إبني من جهلي في فنّ الرسمْ
ويقولُ مستغرباً:
ألا تعرف يا أبي الفرقَ بين السُنْبُلَةِ .. والمُسدَّسْ؟
أقولُ يا وَلَدي..
كنتُ أعرف في الماضي شكْل السنبلَهْ
وشَكْلَ الرغيفْ
وشَكْلَ الوردَهْ..
أما في هذا الزمن المعدنيّ
الذي انضمَّت فيه أشجارُ الغابة
إلى رجال الميليشْيَاتْ
وأصبحت فيه الوردةُ تلبس الملابسَ المُرقَّطَهْ..
في زمن السنابلِ المسلَّحهْ
والعصافيرِ المسلَّحهْ
والديانةِ المسلّحهْ..
فلا رغيفَ أشتريه..
إلا وأجدُ في داخله مسدَّساً
ولا وردةً أقطفُها من الحقل
إلا وترفع سلاحَها في وجهي
ولا كتابَ أشتريه من المكتبهْ
إلا وينفجر بين أصابعي...
4
يجلسُ إبني على طرف سريري
ويطلُبُ مني أن أسمعَهُ قصيدَهْ
تسْقُطُ مني دمعةٌ على الوسادَهْ
فيلتقطها مذهولاً.. ويقول:
\" ولكنَّ هذه دمعةٌ ، يا أبي ، وليست قصيدَهْ\".
أقولُ له:
عندما تكبُرُ يا وَلَدي..
وتقرأُ ديوانَ الشعر العربيّْ
سوفَ تعرفُ أن الكلمةَ والدمعةَ شقيقتانْ
وأن القصيدةَ العربيّهْ..
ليستْ سوى دمعةٍ تخرجُ من بين الأصابعْ..
5
يضعُ إبني أقلامَهُ ، وعلبةَ ألوانه أمامي
ويطلب منّي أن أرسمَ له وَطَناً..
تهتزُّ الفرْشَاةُ في يدي..
وأَسْقُطُ باكياً...
اليوميات
(23)
سأكتبُ عن صديقاتي ..
أرى فيها.. أرى ذاتي
ومأساةً كمأساتي ..
سأكتبُ عن صديقاتي
عن السجن الذي يمتصُّ أعمارَ السجيناتِ ..
عن الزمن الذي أكلتْهُ أعمدةُ المجلاتِ ..
عن الأبواب لا تُفتحْ
عن الرغبات وهي بمهدها تُذبحْ
عن الحَلَمات تحت حريرها تنبحْ
عن الزنزانة الكُبرى
وعن جدرانها السودِ ..
وعن آلاف .. آلاف الشهيداتِ
دُفنَّ بغير أسماء
بمقبرة التقاليدِ ..
صديقاتي ..
دُمىً ملفوفةٌ بالقطنِ ،
نقود .. صكَّها التاريخُ ، لا تُهدى ولا تُنْفَقْ
مجاميع من الأسماك في أحواضها تُخنَقْ
وأوعية من البللور ماتَ فراشها الأزرق ...
بلا خوفٍ ..
سأكتب عن صديقاتي
عن الأغلالِ دامية بأقدام الجميلاتِ ..
عن الهذيان.. والغثيان .. عن ليل الضراعاتِ
عن الأشواق تُدفن في المخداتِ ..
عن الدَّوران في اللاشيء ..
عن موت الهنياتِ ..
صديقاتي ..
رهائن تُشترى وتباعُ في سوق الخرافاتِ ..
سبايا في حريم الشرق ..
يَعْشنَ ، يمُتْنَ ، مثل الفِطْر في جوف الزُّجاجاتِ
صديقاتي ..
طيورٌ في مغائرها
تموتُ بغير أصواتِ ...
يَعْشنَ ، يمُتْنَ ، مثل الفِطْر في جوف الزُّجاجاتِ
صديقاتي ..
طيورٌ في مغائرها
تموتُ بغير أصواتِ ...