سؤال أم قلقة
"ابني يبتعد عني، لا يكترث لي او لوالده، يرفض التقيّد بلقاءاتنا العائلية، ولم يعد يحدثنا كما كان يفعل في السابق. بلغ الثامنة عشرة لكنّني ما زلت لا أجده راشداً وأخشى عليه جدياً من الضياع، فماذا أفعل؟".
سؤال تطرحه ميساء التي ترى ان ابنها لم يعد تحت السيطرة وبدأ يشكل حياته الخاصة التي يلفها الغموض، فعندما يخرج مع أصدقائه لا يرد على اتصالاتها، فهو لا يحب ان يشعر أنها تلاحقه، ويرفض الإفصاح عن اسماء اصدقائه الذين يخرج برفقتهم. وهذا ليس كل ما في الأمر، فحتى انه ما عاد يجلس على المائدة مع العائلة، ويفضل الإنزواء في غرفته. فهل الأمر يستدعي القلق؟
رأي علم النفس
مشكلة ميساء ليست فريدة من نوعها، إذ يشير المتخصص في الطب النفسي الفرنسي جان لوك اوبير، إلى ان هذه الحالة منتشرة بكثرة وليست استثنائية والأبناء لم يتخطوا بعد فترة المراهقة. "لكن رغم هذا يجب ان يكون الوالدان في غاية الانتباه لما يمر به ولدهما، والتمييز بين تصرفات المراهق الطبيعية جراء انتقاله الى مرحلة الرجولة، وبين التصرفات التي تستدعي القلق. لذا عليكما الإجابة على هذه الأسئلة أولاً لتحديد مدى خطورة هذه الحالة: هل ثمة تواصل ولو جزئي بينكما وبينه؟، هل يخبركما عن أصدقائه وصديقاته؟ هل نتائجه في المدرسة او الجامعة جيدة؟ ام أنه متكتم بشأن تفاصيل حياته لدرجة كبيرة وعلاماته الدراسية تتراجع؟.
فإن كانت الأجوبة على القسم الأول من الأسئلة بـ "نعم"، فلا داعي للقلق، إنها عوارض طبيعية نجدها لدى كل مراهق في صراعه مع أهله لاثبات رجولته، أما إن كانت الإجابة بنعم على الجزء الثاني من الأسئلة، فمن الأفضل أن تستشيرا اختصاصي في الطب النفسي لتحديد الأسباب التي تكمن وراء تصرفاته، ففي هذه الحالة، ولدكما يعاني من مشاكل تجعله يكتئب ويفضل الابتعاد... عليكما معرفة مشاكله فحتى لو لم يكن الأمر خطيراً بعد، يجب معالجته سريعاً لكي لا يصبح كذلك فيما بعد.
ومن جانبه، يؤكد الدكتور روجيه كلاس المتخصص في علم النفس، انه من الطبيعي ان يشعر المراهق باختلافه عن عائلته ان من خلال سنه او طبيعته الجسمانية او حتى من خلال المحيط الاجتماعي الذي يريد ان يبني فيه شخصيته. لذا، على الأهل ان يفرّقوا بين الابتعاد عنهم والإنزواء، فإن كان يبتعد عنهم ويتركهم ليبقى مع اصدقائه ورفاقه فليس في الأمر مشكلة، وكل ما يمر به ينحصر في إطار مشاكل المراهقة الكلاسيكية التي لا تدعو إلى القلق. المراهقون بطبيعتهم متمردون فلا يحبون الجلسات العائلية والواجبات لأنها لا تعنيهم ويعتبرونها تكاذباً، لذا فإن ترددهم عن زيارة الأقارب على سبيل المثال، لن يكون مستغرباً. لكن على الوالدين ان يتركا خيطاً يربط بينهما وبين ولدهما، كأن يقولا له: "حسناً لا نريدك معنا على الغذاء كل يوم، لكن على الأقل عليك ان تكون معنا ولو مرة واحدة في الأسبوع". عليهما في الوقت نفسه، ان يراقبا اين يمضي وقته، فهل يبتعد عنهما ليمارس هواية ما؟ أم إنه يخفي أمراً ما علينا اكتشافه قبل فوات الأوان.